أما أدلة هذه الطائفة على أن المتمتع لا بد له من طوافين وسعيين، طواف وسعي لعمرته، وطواف وسعي لحجه. فمنها: ما رواه البخاري في صحيحه قال: وقال أبو كامل فضيل بن حسين البصري: حدثنا أبو معشر، حدثنا عثمان بن غياث، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما: أنه سئل عن متعة الحج؟ فقال: أهل المهاجرون، والأنصار، وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، وأهللنا فلما قدمنا مكة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (اجعلوا إهلالكم بالحج عمرة إلا من قلد الهدي) طفنا بالبيت وبالصفا والمروة وأتينا النساء ولبسنا الثياب وقال (من قلد الهدي فإنه لا يحل له حتى يبلغ الهدي محله) ثم أمرنا عشية التروية أن نهل بالحج، فإذا فرغنا من المناسك، جئنا فطفنا بالبيت، وبالصفا والمروة، وقد تم حجنا وعلينا الهدي. الحديث.
فهذا الحديث الثابت في صحيح البخاري فيه الدلالة الواضحة على أن الذين تمتعوا، وأحلوا من عمرتهم طافوا وسعوا لعمرتهم، وطافوا وسعوا مرة أخرى لحجهم، وهو نص في محل النزاع.
واعلم أن دعوى من ادعى من العلماء أن رواية البخاري في هذا الإسناد، عن أبي كامل فضيل بن حسين البصري بلفظ: وقال أبو كامل لها حكم التعليق غير مسلمة، بل الذي عليه الجمهور من المتأخرين أو الراوي إذا قال: قال: فلان، فحكم ذلك كحكم عن فلان ونحو ذلك، فالرواية بذلك متصلة، لا معلقة إن كان الراوي غير مدلس، وكان معاصرا لمن روى عنه بقال ونحوها، ولذا غلطوا ابن حزم في حديث المعازف حيث قال: إن قول البخاري في أول الإسناد: وقال هشام بن عمار تعليق وليس الحديث بمتصل، فغلطوه وحكموا للحديث بالاتصال، لأن هشام بن عمار من شيوخ البخاري والبخاري غير مدلس، فقوله: عن شيخه، قال فلان: كقوله عن فلان، وكل ذلك موصول لا معلق.
واعلم أن قول ابن حجر في تهذيب التهذيب: إن البخاري روى عن فضيل المذكور تعليقا، مخالف لمذهب الجمهور من المتأخرين، لأن قوله: وقال أبو كامل في حكم ما لو قال: عن أبي كامل، وكل ذلك يحكم بوصله عند المحققين، فقول ابن حجر في الفتح أقرب إلى الصواب من قوله في التهذيب. وقد قال في فتح الباري في كلامه على الحديث المذكور، ويحتمل أن يكون البخاري أخذه عن أبي كامل نفسه، فإنه أدركه وهو من الطبقة الوسطى من شيوخه، ولم نجد له ذكرا في كتابه غير هذا الموضع انتهى منه.