عن علي، ونعيم بن حماد إمام جليل، وكان سيفا على الجهمية، روى عنه البخاري في صحيحه.
قالوا: وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم صحة تقرب من التواتر أنه قال: (ذروني ما تركتكم فإنما هلك الذين من قبلكم بكثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم، ما نهيتكم عنه فاجتنبوه، وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم). وقد قدمنا إيضاح مرادهم بالاستدلال بالحديث.
وقد ذكروا عن الصحابة والتابعين آثارا كثيرة في ذم الرأي والقياس، والتحذير من ذلك. وذلك كثير معروف عن الصحابة فمن بعدهم. وذكروا كثيرا من أقيسة الفقهاء التي يزعمون أنها باطلة، وعارضوها بأقيسة تماثلها في زعمهم. وذكروا أشياء كثيرة يزعمون أن الفقهاء فرقوا فيها بين المجتمع، وجمعوا فيها بين المفترق، إلى غير ذلك من أدلتهم الكثيرة على إبطال الرأي والقياس.
وقد ذكرنا في هذا الكلام جملا وافية من أدلتهم على ذلك بواسطة نقل العلامة ابن القيم رحمه الله في (إعلام الموقعين عن رب العالمين) ولم نتتبع جميع أدلتهم لئلا يؤدي ذلك إلى الإطالة المملة. وقد رأيت فيما ذكرنا حجج القائلين بالقياس والاجتهاد فيما لا نص فيه، وحجج المانعين لذلك.
المسألة السادسة اعلم أن تحقيق المقام في هذه المسألة التي وقع فيها من الاختلاف ما رأيت أن القياس قسمان: قياس صحيح، وقياس فاسد.
أما القياس الفاسد فهو الذي ترد عليه الأدلة التي ذكرها الظاهرية وتدل على بطلانه، ولا شك أنه باطل، وأنه ليس من الدين كما قالوا، وكما هو الحق.
وأما القياس الصحيح فلا يرد عليه شيء من تلك الأدلة، ولا يناقض بعضه بعضا، ولا يناقض البتة نصا صحيحا من كتاب أو سنة. فكما لا تتناقض دلالة النصوص الصحيحة، فإنه لا تتناقض دلالة الأقيسة الصحيحة، ولا دلالة النص الصريح والقياس الصحيح، بل كلها متصادقة متعاضدة متناصرة، يصدق بعضها بعضا، ويشهد بعضها لبعض. فلا يناقض القياس الصحيح النص الصحيح أبدا.
وضابط القياس الصحيح هو أن تكون العلة التي علق الشارع بها الحكم وشرعه