أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٤ - الصفحة ٢١٦
موسى في كتابه إليه: الفهم الفهم فيما أدلى إليك. وقال علي رضي الله عنه: إلا فهما يؤتيه الله عبدا في كتابه. وقال أبو سعيد: كان أبو بكر رضي الله عنه: أعلمنا برسول الله صلى الله عليه وسلم. ودعا النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عباس: (أن يفقهه في الدين ويعلمه التأويل) والفرق بين الفقه والتأويل: أن الفقه هو فهم المعنى المراد والتأويل إدراك الحقيقة التي يؤول إليها المعنى التي هي آخيته وأصله، وليس كل من فقه في الدين عرف التأويل. فمعرفة التأويل يختص بها الراسخون في العلم، وليس المراد به تأويل التحريف وتبديل المعنى، فإن الراسخين في العلم يعلمون بطلانه، والله يعلم بطلانه إلى أن قال رحمه الله:
وكل فرقة من هؤلاء الفرق الثلاث: يعني نفاة القياس بالكلية، والغالين فيه. والقائلين بأن العلل الشرعية أمارات وعلامات فقط، لا مصالح أنيطت بها الأحكام وشرعت من أجلها سدوا على أنفسهم طريقا من طرق الحق. فاضطروا إلى توسعة طريق أخرى أكثر مما تحتمله. فنفاه القياس لما سدوا على نفوسهم باب التمثيل والتعليل، واعتبار الحكم والمصالح، وهو من الميزان والقسط الذي أنزله الله احتاجوا إلى توسعة الظاهر والاستصحاب، فحملوهما فوق الحاجة، ووسعوهما أكثر مما يسعانه. فحيث فهموا من النص حكما أثبتوه ولم يبالوا مما وراءه، وحيث لم يفهموه منه نفوه وحملوا الاستصحاب. وأحسنوا في اعتنائهم بالنصوص ونصرها. والمحافظة عليها، وعدم تقديم غيرها عليها من رأي أو قياس أو تقليد. وأحسنوا في رد الأقيسة الباطلة، وبيانهم تناقض أهلها في نفس القياس، وتركهم له، وأخذوا بقياس تركهم وما هو أولى منه. ولكن أخطؤوا من أربعة أوجه:
أحدها رد القياس الصحيح، ولا سيما المنصوص على علته التي يجري النص عليها مجرى التنصيص على التعميم باللفظ، ولا يتوقف عاقل في أن قول النبي صلى الله عليه وسلم لما لعن عبد الله خمارا على كثرة شربه للخمر: (لا تلعنه فإنه يحب الله ورسوله) بمنزلة قوله: لا تلعنوا كل من يحب الله ورسوله. وفي قوله: (إن الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر فإنها رجس) بمنزلة قوله: ينهيانكم عن كل رجس. وفي أن قوله تعالى: * (إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس) *: نهى عن كل رجس. وفي أن قوله في الهرة: (ليست بنجس لأنها من الطوافين عليكم والطوافات). بمنزلة قوله: كل ما هو من الطوافين عليكم والطوافات فإنه ليس بنجس، ولا يستريب أحد في أن من قال لغيره: لا تأكل من هذا الطعام فإنه مسموم نهى له عن كل طعام كذلك،
(٢١٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 211 212 213 214 215 216 217 218 219 220 221 ... » »»