أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٤ - الصفحة ٢١٠
ولا هدى إليه فليس من الحق، وقال تعالى: * (فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهوآءهم) * فقسم الأمور إلى قسمين لا ثالث لهما: اتباع لما دعا إليه الرسول صلى الله عليه وسلم، واتباع الهوى.
قالوا: والرسول صلى الله عليه وسلم لم يدع أمته إلى القياس قط، بل قد صح عنه بأنه أنكر على عمر وأسامة محض القياس في شأن الحلتين اللتين أرسل بهما إليهما فلبسها أسامة قياسا للبس على التملك والانتفاع والبيع، وكسوتها لغيره، وردها عمر قياسا لتملكها على لبسها. فأسامة أباح، وعمر حرم قياسا. فأبطل رسول الله صلى الله عليه وسلم كل واحد من القياسين. وقال لعمر: (إنما بعثت بها إليك لتستمتع بها). وقال لأسامة: (إني لم أبعث إليك بها لتلبسها ولكن بعثتها إليك لتشقها خمرا لنسائك)، والنبي صلى الله عليه وسلم إنما تقدم إليهم في الحرير بالنص على تحريم لبسه فقط. لقاسا قياسا أخطأ فيه. فأحدهما قاس اللبس على الملك، وعمر قاس التملك على اللبس، والنبي صلى الله عليه وسلم بين أن ما حرمه من اللبس لا يتعدى إلى غيره، وما أباحه من التملك لا يتعدى إلى اللبس.
قالوا: وهذا عين إبطال القياس. وقالوا: وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي ثعلبة الخشني، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها، وحد حدودا فلا تعتدوها، ونهى عن أشياء فلا تنتهكوها، وسكت عن أشياء رحمة لكم غير نسيان فلا تبحثوا عنها)، قالوا: وهذا الخطاب عام لجميع الأمة أولها وآخرها.
قالوا: وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد جيد من حديث سلمان رضي الله قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أشياء فقال: (الحلال ما أحله الله، والحرام ما حرم الله، وما سكت عنه فهو مما عفا عنه). قالوا: وكل ذلك يدل على أن المسكوت عنه معفو عنه. فلا يجوز تحريمه ولا إيجابه بإلحاقه بالمنطوق به. قالوا: وقال عبد الله بن المبارك: ثنا عيسى بن يونس، عن جرير بن عثمان، عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير، عن أبيه عن عوض بن مالك الأشجعي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بن تفترق أمتي على بضع وسبعين فرقة، أعظمها فتنة على أمتي قوم يقيسون الأمور برأيهم. فيحلون الحرام ويحرمون الحلال). قال قاسم بن أصبغ: حدثنا محمد بن إسماعيل الترمذي، ثنا نعيم بن حماد، حدثنا عبد الله.. فذكره وهؤلاء كلهم أئمة ثقات حفاظ. إلا جرير بن عثمان فإنه كان منحرفا عن علي رضي الله عنه، ومع ذلك فقد احتج به البخاري في صحيحه، وقد روي عنه أنه تبرأ مما نسب إليه من الانحراف
(٢١٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 205 206 207 208 209 210 211 212 213 214 215 ... » »»