أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٤ - الصفحة ٢٢٢
غير مواضعها: * (ياأيها الذين ءامنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم) * وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بالعقاب من عنده) فأخبرهم أنهم يضعونها على غير مواضعها في فهمهم منها خلاف ما أريد بها. وأشكل على ابن عباس أمر الفرقة الساكتة التي لم ترتكب ما نهيت عنه من اليهود، هل عذبوا أو نجوا حتى بين له مولاه عكرمة دخولهم في الناجين دون المعذبين، وهذا هو الحق، لأنه سبحانه قال عن الساكتين. * (وإذ قالت أمة منهم لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا) * فأخبر أنهم أنكروا فعلهم وغضبوا عليهم، وإن لم يواجهوهم بالنهي، فقد واجههم به من أدى الواجب عنهم. فإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض كفاية، فلما قام به أولئك سقط عن الباقين فلم يكونوا ظالمين بسكوتهم.
وأيضا فإنه سبحانه إنما عذب الذين نسوا ما ذكروا به، وعتوا عما نهوا عنه، وهذا لا يتناول الساكتين قطعا. فلما بين عكرمة لابن عباس أنهم لم يدخلوا في الظالمين المعذبين كساه برده وفرح به.
وقد قال عمر بن الخطاب للصحابة: ما تقولون في * (إذا جآء نصر الله والفتح) * السورة؟ قالوا: أمر الله نبيه إذا فتح عليه أن يستغفر. فقال لابن عباس: ما تقول أنت؟ قال: هو أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلمه إياه. فقال: ما أعلم منها غير ما تعلم. إلى أن قال رحمه الله:
والمقصود تفاوت الناس في مراتب الفهم في النصوص. وأن منهم من يفهم في الآية حكما أو حكمين. ومنهم من يفهم منها عشرة أحكام أو أكثر من ذلك. ومنهم من يقتصر في الفهم على مجرد اللفظ دون سياقه ودون إيمائه وإشارته وتنبيهه واعتباره. وأخص من هذا وألطف ضمه إلى نص آخر متعلق به، فيفهم من اقترانه به قدرا زائدا على ذلك اللفظ بمفرده.
وهذا باب عجيب من فهم القرآن، لا يتنبه له إلا النادر من أهل العلم، فإن الذهن قد لا يشعر بارتباط هذا بهذا وتعلقه به: كما فهم ابن عباس من قوله تعالى: * (وحمله وفصاله ثلاثون شهرا) * مع قوله: * (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين) * أن المرأة قد تلد لستة أشهر.. إلى آخر كلامه رحمه الله.
وإنما أكثرنا في هذه المباحث من نقل كلام ابن القيم رحمه الله كما رأيت. لأنه جاء فيها بما
(٢٢٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 217 218 219 220 221 222 223 224 225 226 227 ... » »»