أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٤ - الصفحة ٢٠٤
أن من عقد على أمه أو ابنته أو أخته ووطئها فلا حد عليه. وأن هذا المفهوم من قوله (ادرءوا الحدود بالشبهات) فهذا في معنى الشبهة التي تدرأ بها الحدود، وهي الشبهة في المحل أو في الفاعل أو في الاعتقاد. ولو عرض هذا على فهم من فرض من العالمين لم يفهمه من هذا اللفظ بوجه من الوجوه. وأن من يطأ خالته أو عمته بملك اليمين فلا حد عليه مع علمه بأنها خالته أو عمته وتحريم الله لذلك، ويفهم هذا من (ادرءوا الحدود بالشبهات)، وأضعاف أضعاف هذا مما لا يكاد ينحصر.
قالوا: فهذا التمثيل والتشبيه هو الذي ننكره، وننكر أن يكون في كلام الله ورسوله دلالة على فهمه بوجه ما.
قالوا: ومن أين يفهم من قوله: * (وإن لكم فى الا نعام لعبرة) *، ومن قوله: * (ياأولى) * تحريم بيع الكشك باللبن. وبيع الخل بالعنب، ونحو ذلك. قالوا: وقد قال تعالى: * (وما اختلفتم فيه من شىء فحكمه إلى الله) * ولم يقل إلى قياساتكم وآرائكم. ولم يجعل الله آراء الرجال وأقيستها حاكمة بين الأمة أبدا.
قالوا: وقد قال تعالى: * (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم) * فإنما منعهم من الخيرة عند حكمه وحكم رسوله. لا عند آراء الرجال وأقيستهم وظنونهم.
وقد أمر سبحانه رسوله باتباع ما أوحاه إليه خاصة، وقال: * (إن أتبع إلا ما يوحى إلى) *، وقال: * (وأن احكم بينهم بمآ أنزل الله) *، وقال تعالى: * (أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله) * قالوا: فدل هذا النص على أن ما لم يأذن به الله من الدين فهو شرع غيره بالباطل.
قالوا: وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه تبارك وتعالى: أن كل ما سكت عن إيجابه أو تحريمه فهو عفو عفا عنه لعباده، مباح إباحة العفو، فلا يجوز تحريمه ولا إيجابه قياسا على ما أوجبه أو حرمه بجامع بينهما، فإن ذلك يستلزم رفع هذا القسم بالكلية وإلغاءه، إذا المسكوت عنه لا بد أن يكون بينه وبين المحرم شبه ووصف جامع، وبينه وبين الواجب. فلو جاز إلحاقه به لم يكن هناك قسم قد عفا عنه. ولم يكن ما سكت عنه قد عفا عنه بل يكون ما سكت عنه قد حرمه قياسا على ما حرمه، وهذا لا سبيل إلى دفعه، وحينئذ فيكون
(٢٠٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 199 200 201 202 203 204 205 206 207 208 209 ... » »»