أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٤ - الصفحة ٢٠٣
تعقله وفهمه، وضبطه واستحضاره له باستحضار نظيره. فإن النفس تأنس بالنظائر والأشباه الأنس الظتام، وتنفر من الغربة والوحدة وعدم النظير. ففي الأمثال من تأنيس النفس وسرعة قبولها وانقيادها لما ضرب لها مثله من الحق أمر لا يجحده أحد ولا ينكره. وكلما ظهرت لها الأمثال ازداد المعنى ظهورا ووضوحا. فالأمثال شواهد المعنى المراد، وتزكية له. وهي كزرع أخرج شطأة فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه، وهي خاصة العقل ولبه وثمرته، ولكن أين في الأمثال التي ضربها الله ورسوله على هذا الوجه؟ فهمنا أن الصداق لا يكون أقل من ثلاثة دراهم أو عشرة، قياسا وتمثيلا على أقل ما يقطع فيه السارق. هذا بالألغاز والأحاجي أشبه منه بالأمثال المضروبة للفهم. كما قال الإمام الحديث محمد بن إسماعيل البخاري في جامعه الصحيح: (باب من شبه أصلا معلوما بأصل مبين قد بين الله حكمهما ليفهم السامع).
قالوا: فنحن لا ننكر هذه الأمثال التي ضربها الله ورسوله، ولا نجهل ما أريد بها، وإنما ننكر أن يستفاد وجوب الدم على من قطع من جسده أو رأسه ثلاث شعرات أو أربعا من قوله تعالى: * (ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدى محله فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك) * وأن الآية تدل على ذلك. وأن قوله صلى الله عليه وسلم في صدقة الفطر: صاع من تمر أوصاع من شعير أو صاع من أقط أو صاع من بر أو (صاع من زبيب) يفهم منه أنه لو أعطى صاعا من إهليج جاز، وأنه يدل على ذلك بطريق التمثيل والاعتبار. وأن قوله صلى الله عليه وسلم: (الولد للفراش) يستفاد منه ومن دلالته أنه لو قال الولي بحضرة الحاكم: زوجتك ابنتي وهو بأقصى الشرق وهي بأقصى الغرب، فقال: قبلت هذا التزويج وهي طالق ثلاثا، ثم جاءت بعد ذلك يولد لأكثر من ستة أشهر أنه ابنه، وقد صارت فراشا بمجرد قبوله قبلت هذا التزويج، ومع هذا لو كانت له سرية يطؤها ليلا ونهارا لم تكن فراشا له ولو أتت بولد لم يلحقه نسبه إلا أن يدعيه ويستلحقه، فإن لم يستلحقه فليس بولده؟.
وأين يفهم من قوله صلى الله عليه وسلم: (إن في قتل الخطأ شبه العمد ما كان بالسوط والعصا مائة من الإبل) أنه لو ضربه بحجر المنجنيق أو بكور الحداد أو بمرازب الحدد العظام، حتى خلط دماغه بلحمه وعظمه أن هذا خطأ شبه عمد لا يوجب تودا.
وأين يفهم من قوله صلى الله عليه وسلم: (ادرءوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم فإن لم يكن له مخرج فخلوا سبيله، فإن الإمام إن يخطيء في العفو خير له من أن يخطيء في العقوبة)
(٢٠٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 198 199 200 201 202 203 204 205 206 207 208 ... » »»