أن الضنك في اللغة: الضيق. ومنه قول عنترة: ومن أظلم ممن ذكر بأايات ربه فأعرض عنها) * الآيات الموضحة نتائج الإعراض عن ذكر الله تعالى الوخيمة. فأغنى ذلك عن إعادته هنا. وقد قدمنا هناك أن منها المعيشة الضنك. واعلم أن الضنك في اللغة: الضيق. ومنه قول عنترة:
* إن يلحقوا أكرر وإن يستلحموا * أشدد وإن يلفوا بضنك أنزل * وقوله أيضا: وقوله أيضا:
* إن المنية لو تمثل مثلت * مثلي إذا نزلوا بضنك المنزل * وأصل الضنك مصدر وصف به، فيستوي فيه المذكر والمؤنث والمفرد والجمع. وبه تعلم أن معنى قوله * (معيشة ضنكا) * أي عيشا ضيقا والعياذ بالله تعالى.
واختلف العلماء في المراد بهذا العيش الضيق على أقوال متقاربة، لا يكذب بعضها بعضا. وقد قدمنا مرارا: أن الأولى في مثل ذلك شمول الآية لجميع الأقوال المذكورة. ومن الأقوال في ذلك: أن معنى ذلك أن الله عز وجل جعل مع الدين التسليم والقناعة، والتوكل على الله، والرضا بقسمته فصاحبه ينفق مما رزقه الله بسماح وسهولة، فيعيش عيشا هينئا. ومما يدل على هذا المعنى من القرآن قوله تعالى: * (من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حيواة طيبة) *، وقوله تعالى: * (وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعا حسنا إلى أجل مسمى) *، كما تقدم إيضاح ذلك كله.
وأما المعرض عن الدين فإنه يستولي عليه الحرص الذي لا يزال يطمح به إلى الازدياد من الدنيا مسلط عليه الشح الذي يقبض يده عن الإنفاق، فعيشة ضنك، وحاله مظلمة. ومن الكفرة من ضرب الله عليه الذلة والمسكنة بسبب كفره، كما قال تعالى: * (وضربت عليهم الذلة والمسكنة وبآءوا بغضب من الله ذالك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله) *. وذلك من العيش الضنك بسبب الإعراض عن ذكر الله. وبين في مواضع أخر أنهم لو تركوا الإعراض عن ذكر الله فأطاعوه تعالى أن عيشهم يصيروا واسعا وغدا لا ضنكا، كقوله تعالى: * (ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل ومآ أنزل إليهم من ربهم لاكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم) *، وقوله تعالى: * (ولو أن أهل القرىءامنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السمآء والا رض) *، وكقوله تعالى عن نوح: * (فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السمآء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا) *، وقوله تعالى عن هود: * (وياقوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السمآء عليكم مدرارا ويزدكم قوة إلى