الجهد في سترها. قال القرطبي رحمه الله في تفسيره في سورة (الأعراف) ما نصه: وفي الآية دليل على قبح كشف العورة، وأن الله أوجب عليهما الستر، ولذلك ابتدرا إلى سترها، ولا يمتنع أن يؤمرا بذلك في الجنة كما قيل لهما * (حيث شئتما ولا تقربا هاذه الشجرة) *. وقد حكى صاحب البيان عن الشافعي: أن من لم يجد ما يستر به عورته إلا ورق الشجر لزمه أن يستقر بذلك. لأنه سترة ظاهرة، عليه التستر بها كما فعل آدم في الجنة. والله أعلم انتهى كلام القرطبي.
ووجوب ستر العورة في الصلاة مجمع عليه بين المسلمين. وقد دلت عليه نصوص من الكتاب والسنة، كقوله تعالى: * (يابنىءادم خذوا زينتكم عند كل مسجد) *، وكبعثه صلى الله عليه وسلم من ينادي عام حج أبي بكر بالناس عام تسع: (إلا يحج بعد هذا العام مشرك، وألا يطوف بالبيت عريان). وكذلك لا خلاف بين العلماء في منع كشف العورة أمام الناس. وسيأتي بعض ما يتعلق بهذا إن شاء الله في سورة (النور).
فإن قيل: لم جمع السوءات في قوله * (سوءاتهما) * مع أنهما سوأتان فقط؟ فالجواب من ثلاثة أوجه:
الوجه الأول أن آدم وحواء كل واحد منهما له سوءتان: القبل والدبر، فهي أربع، فكل منهما يرى قبل نفسه وقبل الآخر، ودبره. وعلى هذا فلا إشكال في الجمع.
الوجه الثاني أن المثنى إذا أضيف إليه شيئان هما جزاءه جاز في ذلك المضاف الذي هو شيئان الجمع والتثنية، والإفراد، وأفصحها الجمع، فالإفراد، فالتثنية على الأصح، سواء كانت الإضافة لفظا أو معنى. ومثال اللفظ: شوبت رؤوس الكبشين أو رأسهما، أو رأسيهما. ومثال المعنى: قطعت من الكبشين الرؤوس، أو الرأس، أو الرأسين. فإن فرق المثنى المضاف إليه فالمختار في المضاف الإفراد، نحو: على لسان داود وعيسى ابن مريم. ومثال جمع المثنى المضاف المذكور الذي هو الأفصح قوله تعالى * (فقد صغت قلوبكما) *، وقوله تعالى: * (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما) *، ومثال الإفراد قول الشاعر: والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما) *، ومثال الإفراد قول الشاعر:
* حمامة بطن الواديين ترنمي * سقاك من الغر الغوادي مطيرها * ومثال التثنية قول الراجز: ومثال التثنية قول الراجز:
* ومهمهين قذفين مرتين * ظهراهما مثل ظهور الترسين *