فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خذ عليك سلاحك، فإنني أخشى عليك قريظة) فأخذ الرجل سلاحه ثم رجع، فإذا امرأته بين البابين قائمة، فأهوى إليها بالرمح ليطعنها به وأصابته غيرة. فقالت له: اكفف عليك رمحك، وادخل البيت حتى تنظر ما الذي أخرجني، فدخل فإذا بحية عظيمة منطوية على الفراش، فأهوى إليها بالرمح فانتظمها به، ثم خرج فركزه في الدار فاضطربت عليه، فما يدري أيهما كان أسرع موتا الحية أم الفتى. قال: فجئنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرنا ذلك له، وقلنا: أدع الله يحيه لنا: فقال: (استغفروا لأخيكم ثم قال إن بالمدينة جنا قد أسلموا، فإذا رأيتم منهم شيئا فأذنوه ثلاثة أيام فإن بدا لكم بعد ذلك فأقتلوه فإنما هو شيطان). وفي طريق أخرى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن لهذه البيوت عوامر، فإذا رأيتم شيئا منهم فحرجوا عليها ثلاثا، فإن ذهب وإلا فاقتلوه فإنه كافر وقال لهم: اذهبوا فادفنوا صاحبكم). ثم قال: قال علماؤنا رحمة الله عليهم: لا يفهم من هذا الحديث أن هذا الجان الذي قتله الفتى كان مسلما، وأن الجن قتلته به قصاصا. لأنه لو سلم أن القصاص مشروع بيننا وبين الجن لكان إنما يكون في العمد المحض، وهذا الفتى لم يقصد ولم يتعمد قتل نفس مسلمة إذ لم يكن عنده علم من ذلك، وإنما قصد إلى قتل ما سوغ قتل نوعه شرعا، فهذا قتل خطأ ولا قصاص فيه. فالأولى أن يقال: إن كفار الجن أو فسقتهم قتلوا الفتى بصاحبهم عدوا وانتقاما. وقد قتلت سعد بن عبادة رضي الله عنه، وذلك أنه وجد ميتا في مغتسله وقد أخضر جسده، ولم يشعروا بموته حتى سمعوا قائلا يقول ولا يرون أحدا:: (إن لهذه البيوت عوامر، فإذا رأيتم شيئا منهم فحرجوا عليها ثلاثا، فإن ذهب وإلا فاقتلوه فإنه كافر وقال لهم: اذهبوا فادفنوا صاحبكم). ثم قال: قال علماؤنا رحمة الله عليهم: لا يفهم من هذا الحديث أن هذا الجان الذي قتله الفتى كان مسلما، وأن الجن قتلته به قصاصا. لأنه لو سلم أن القصاص مشروع بيننا وبين الجن لكان إنما يكون في العمد المحض، وهذا الفتى لم يقصد ولم يتعمد قتل نفس مسلمة إذ لم يكن عنده علم من ذلك، وإنما قصد إلى قتل ما سوغ قتل نوعه شرعا، فهذا قتل خطأ ولا قصاص فيه. فالأولى أن يقال: إن كفار الجن أو فسقتهم قتلوا الفتى بصاحبهم عدوا وانتقاما. وقد قتلت سعد بن عبادة رضي الله عنه، وذلك أنه وجد ميتا في مغتسله وقد أخضر جسده، ولم يشعروا بموته حتى سمعوا قائلا يقول ولا يرون أحدا:
* قد قتلنا سيد الخز * رج سعد بن عباده * * ورميناه بسهمين * فلم تخط فؤاده * وإنما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن بالمدينة جنا قد أسلموا) ليبين طريقا يحصل به التحرز من قتل المسلم منهم، ويتسلط به على قتل الكافر منهم. وروي من وجوه: أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قتلت جانا. فأريت في المنام أن قائلا يقول لها: لقد قتلت مسلما. فقالت: لو كان مسلما لم يدخل على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم. قال: ما دخل عليك إلا وعليك ثيابك. فأصبحت فأمرت باثني عشر ألف درهم فجعلت في سبيل الله. وفي رواية: ما دخل عليك إلا وأنت مستترة. فتصدقت وأعتقت رقابا. وقال الربيع بن بدر: الجان من الحيات التي نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قتلها هي التي تمشي ولا تلتوي. وعن علقمة نحوه. ثم ذكر صفة إنذار حيات البيوت فقال: قال مالك: أحب إلي أن ينذروا ثلاثة أيام. وقاله عيسى بن دينار: