أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٤ - الصفحة ١٣٧
الصحف الا ولى) *، وقوله: * (ومآ أرسلنا قبلك إلا رجالا) * إلى قوله * (وما كانوا خالدين) * قد قدمنا الآيات الموضحة لذلك، فأغنى ذلك عن إعادته هنا. قوله تعالى: * (ثم صدقناهم الوعد فأنجيناهم ومن نشآء وأهلكنا المسرفين) *. بين جل وعلا في هذه الآيات: أنه أرسل الرسل إلى الأمم فكذبوهم، وأنه وعد الرسل بأن لهم النصر والعاقبة الحسنة، وأنه صدق رسله ذلك الوعد فأنجاهم. وأنجى معهم ما شاء أن ينجيه.. والمراد به من آمن بهم من أممهم، وأهلك المسرفين وهم الكفار المكذبون الرسل، وقد أوضح هذا المعنى في مواضع كثيرة من كتابه، كقوله تعالى * (حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جآءهم نصرنا فنجى من نشآء ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين) *، وقوله: * (فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله إن الله عزيز ذو انتقام) *، وقوله تعالى: * (فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين ولنسكننكم الا رض من بعدهم) *، وقوله: * (ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين إنهم لهم المنصورون وإن جندنا لهم الغالبون) *، وقوله تعالى: * (ولما جآء أمرنا نجينا هودا والذين ءامنوا معه برحمة منا) *، وقوله تعالى: * (فلما جآء أمرنا نجينا صالحا والذين ءامنوا معه برحمة منا) *، وقوله: * (ولما جآء أمرنا نجينا شعيبا والذين ءامنوا معه برحمة منا) *، إلى غير ذلك من الآيات. والظاهر أن (صدق) تتعدى بنفسها وبالحرف، تقول: صدقته الوعد، وصدقته في الوعد. كقوله هنا: * (ثم صدقناهم الوعد) *، وقوله: * (ولقد صدقكم الله وعده) *. فقول الزمخشري (صدقناهم الوعد) كقوله: (واختار موسى قومه سبعين رجلا) لا حاجة إليه، والله أعلم. والإسراف: مجاوزة الحد في المعاصي كالكفر، ولذلك يكثر في القرآن إطلاق المسرفين على الكفار.
* (وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة وأنشأنا بعدها قوما ءاخرين * فلمآ أحسوا بأسنآ إذا هم منها يركضون * لا تركضوا وارجعوا إلى مآ أترفتم فيه ومساكنكم لعلكم تسألون * قالوا ياويلنآ إنا كنا ظالمين * فما زالت تلك دعواهم حتى جعلناهم حصيدا خامدين * وما خلقنا السمآء والا رض وما بينهما لاعبين * لو أردنآ أن نتخذ لهوا لاتخذناه من لدنآ إن كنا فاعلين * بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ولكم الويل مما تصفون * وله من فى السماوات والا رض ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون * يسبحون الليل والنهار لا يفترون * أم اتخذوا آلهة من الا رض هم ينشرون * لو كان فيهمآ آلهة إلا الله لفسدتا فسبحان الله رب العرش عما يصفون * لا يسأل عما يفعل وهم يسألون * أم اتخذوا من دونه ءالهة قل هاتوا برهانكم هاذا ذكر من معى وذكر من قبلى بل أكثرهم لا يعلمون الحق فهم معرضون * ومآ أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحى إليه أنه لا إلاه إلا أنا فاعبدون * وقالوا اتخذ الرحمان ولدا سبحانه بل عباد مكرمون * لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون * يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون * ومن يقل منهم إنى إلاه من دونه فذالك نجزيه جهنم كذلك نجزى الظالمين) * قوله تعالى: * (وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة وأنشأنا بعدها قوما ءاخرين) *. (كم) هنا للإخبار بعدد كثير، وهي في محل نصب لأنها مفعول (قصمنا) أي قصمنا كثير من القرى التي كانت ظالمة، وأنشأنا بعدها قوما آخرين. وهذا المعنى المذكور هنا جاء مبينا في مواضع كثيرة من كتاب الله. كقوله تعالى: * (وكم أهلكنا من
(١٣٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 132 133 134 135 136 137 138 139 140 141 142 ... » »»