أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٤ - الصفحة ١٢٨
يضلل فلن تجد لهم أوليآء من دونه ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما مأواهم جهنم كلما خبت زدناهم سعيرا) *.
تنبيه في آية (طه) هذه وآية (الإسراء) المذكورتين إشكال معروف. وهو أن يقال: إنهما قد دلتا على أن الكافر يحشر يوم القيامة أعمى، وزادت آية (الإسراء) أنه يحشر أبكم أصم أيضا، مع أنه دلت آيات من كتاب الله على أن الكفار يوم القيامة يبصرون ويسمعون ويتكلمون. كقوله تعالى: * (أسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا) *، وقوله تعالى: * (ورأى المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعوها) *، وقوله تعالى: * (ربهم ربنآ أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا) *، إلى غير ذلك من الآيات. وقد ذكرنا في كتابنا (دفع إيهام الاضطراب. عن آيات الكتاب) الجواب عن هذا الإشكال من ثلاثة أوجه:
الوجه الأول واستظهره أبو حيان أن المراد بما ذكر من العمى والصمم والبكم حقيقته. ويكون ذلك في مبدأ الأمر ثم يرد الله تعالى إليهم أبصارهم ونطقهم وسمعهم فيرون النار ويسمعون زفيرها، وينطقون بما حكى الله تعالى عنهم في غير موضع. الوجه الثاني أنهم لا يرون شيئا يسرهم، ولا يسمعون كذلك، ولا ينطقون بحجة، كما أنهم كانوا في الدنيا لا يستبصرون ولا ينطقون بالحق ولا يسمعونه. وأخرج ذلك ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس وروي أيضا عن الحسن كما ذكره الألوسي وغيره. وعلى هذا القول فقد نزل ما يقولونه ويسمعونه ويبصرونه منزلة العدم لعدم الانتفاع به. كما أوضحنا في غير هذا الموضع. ومن المعلوم أن العرب تطلق لا شيء على ما لا نفع فيه. ألا ترى أن الله يقول في المنافقين: * (صم بكم عمى) *، مع أنه يقول فيهم: * (فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد) *، ويقول فيهم: * (وإن يقولوا تسمع لقولهم) * أي لفصاحتهم وحلاوة ألسنتهم. ويقول فيهم: * (ولو شآء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم) * وما ذلك إلا لأن الكلام ونحوه الذي لا فائدة فيه كلا شيء: فيصدق على صاحبه أنه أعمى وأصم وأبكم، ومن ذلك قول قعنب بن أم صاحب: ولو شآء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم) * وما ذلك إلا لأن الكلام ونحوه الذي لا فائدة فيه كلا شيء: فيصدق على صاحبه أنه أعمى وأصم وأبكم، ومن ذلك قول قعنب بن أم صاحب:
* صم إذا سمعوا خيرا ذكرت به * وإن ذكرت بسوء عندهم أذنوا *
(١٢٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 123 124 125 126 127 128 129 130 131 132 133 ... » »»