لعظيم شرفهم وذلك محال، ولئلا يكونوا غير مقبولي الشهادة، ولئلا يجب زجرهم وإيذاؤهم، ولئلا يقتدى بهم في ذلك. ولئلا يكونوا مستحقين للعقاب، ولئلا يفعلوا ضد ما أمروا به لأنهم مصطفون، ولأن إبليس استثناهم في الإغواء انتهى ما لخصناه من (المنتخب)، والقول في الدلائل لهذه المذاهب. وفي إبطال ما ينبغي إبطاله منها مذكور في كتب أصول الدين. انتهى كلام أبي حيان.
وحاصل كلام الأصوليين في هذه المسألة: عصمتهم من الكفر وفي كل ما يتعلق بالتبليغ، ومن الكبائر وصغائر الخسة كسرقة لقمة وتطفيف حبة، وأن أكثر أهل الأصول على جواز وقوع الصغائر غير الصغائر الخسة منهم. ولكن جماعة كثيرة من متأخري الأصوليين اختاروا أن ذلك وإن جاز عقلا لم يقع فعلا، وقالوا: إنما جاء في الكتاب والسنة من ذلك أن ما فعلوه بتأويل أو نسيانا أو سهوا، أو نحو ذلك.
قال مقيده عفا الله وغفر له: الذي يظهر لنا أنه الصواب في هذه المسألة أن الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم لم يقع منهم ما يزري بمراتبهم العلية، ومناصبهم السامية. ولا يستوجب خطأ منهم ولا نقصا فيهم صلوات الله وسلامه عليهم، ولو فرضنا أنه وقع منهم بعض الذنوب لأنهم يتداركون ما وقع منهم بالتوبة، والإخلاص، وصدق الإنابة إلى الله حتى ينالوا بذلك أعلى درجاتهم فتكون بذلك درجاتهم أعلى من درجة من لم يرتكب شيئا من ذلك. ومما يوضح هذا قوله تعالى: * (وعصىءادم ربه فغوى ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى) *. فانظر أي أثر يبقى للعصيان والغي بعد توبة الله عليه، واجتبائه أي اصطفائه إياه، وهدايته له، ولا شك أن بعض الزلات ينال صاحبها بالتوبة منها درجة أعلى من درجته قبل ارتكاب ذلك الزلة. والعلم عند الله تعالى. قوله تعالى: * (ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى) *. الاجتباء: الاصطفاء والاختيار. أي ثم بعد ما صدر من آدم بمهلة اصطفاه ربه واختاره فتاب عليه وهداه إلى ما يرضيه. ولم يبين هنا السبب لذلك، ولكنه بين في غير هذا الموضع أنه تلقى من ربه كلمات فكانت سبب توبة ربه عليه، وذلك في قوله: * (فتلقىءادم من ربه كلمات فتاب عليه) * أي بسبب تلك الكلمات كما تدل عليه الفاء. وقد قدمنا في سورة (البقرة): أن الكلمات المذكورة هي المذكورة في سورة (الأعراف) في قوله تعالى: * (قالا ربنا ظلمنآ أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين) *