وخير ما يفسر به القرآن القرآن. قوله تعالى: * (قال اهبطا منها جميعا بعضكم لبعض عدو) *. الظاهر أن ألف الاثنين في قوله * (اهبطا) * راجعة إلى آدم وحواء المذكورين في قوله * (فأكلا منها فبدت لهما سوءاتهما) *، خلافا لمن زعم أنها راجعة إلى إبليس وآدم، وأمره إياهما بالهبوط من الجنة المذكور في آية (طه) هذه جاء مبينا في غير هذا الموضع. كقوله في سورة (البقرة): * (وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم فى الأرض مستقر ومتاع إلى حين) *، وقوله فيها أيضا: * (قلنا اهبطوا منها جميعا فإما يأتينكم منى هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون) *، وقوله في (الأعراف): * (قال اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم فى الا رض مستقر ومتاع إلى حين) *. وفي هذه الآيات سؤال معروف، وهو أن يقال: كيف جيء بصيغة الجمع في قوله * (اهبطوا) * في (البقرة) و (الأعراف) وبصيغة التثنية في (طه) في قوله: * (اهبطا) * مع أنه أتبع صيغة التثنية في (طه) بصيغة الجمع في قوله * (فإما يأتينكم منى هدى) * وأظهر الأجوبة عندي عن ذلك: أن التثنية باعتبار آدم وحواء فقط، والجمع باعتبارهما مع ذريتهما. خلافا لمن زعم أن التثنية باعتبار آدم وإبليس، والجمع باعتبار معهم ذريتهما معهما، وخلافا لمن زعم أن الجمع في قوله: * (اهبطوا) * مراد به آدم وحواء وإبليس والحية. والدليل على أن الحية ليست مرادة في ذلك هو أنها لا تدخل في قوله * (فإما يأتينكم منى هدى) * لأنها غير مكلفة.
واعلم أن المفسرين يذكرون قصة الحية، وأنها كانت ذات قوائم أربع كالبختية من أحسن خلقها الله، وأن إبليس دخل في فمها فأدخلته الجنة، فوسوس لآدم وحواء بعد أن عرض نفسه على كثير من الدواب فلم يدخله إلا الحية. فأهبط هو إلى الأرض ولعنت هي وردت قوائمها في جوفها، وجعلت العداوة بينها وبين بني آدم، ولذلك أمروا بقتلها. وبهذه المناسبة ذكر القرطبي رحمه الله في تفسيره في سورة (البقرة) جملا من أحكام قتل الحيات. فذكر عن ساكنة بنت الجعد أنها روت عن سري بنت نبهان الغنوية أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يأمر بقتل الحيات صغيرها وكبيرها، وأسودها وأبيضها، ويرغب في ذلك. ثم ذكر عن ابن جريج عن عمرو بن دينار عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود حديثا فيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه بقتل حية فسبقتهم إلى جحرها. فأمرهم أن يضرموا عليها