أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٣ - الصفحة ٦٠
عليك الكتاب تبيانا لكل شىء) *. قوله تعالى: * (وكل إنسان ألزمناه طائره فى عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا) *. في قوله جل وعلا في هذه الآية الكريمة * (وكل إنسان ألزمناه طائره) * وجهان معروفان من التفسير:
الأول أن المراد بالطائر: العمل، من قولهم: طار له سهم إذا خرج له. أي ألزمناه ما طار له من عمله.
الثاني أن المراد بالطائر ما سبق له في علم الله من شقاوة أو سعادة. والقولان متلازمان. لأن ما يطير له من العمل هو سبب ما يؤول إليه من الشقاوة أو السعادة.
فإذا عرفت الوجهين المذكورين فاعلم أنا قدمنا في ترجمة هذا الكتاب المبارك: أن الآية قد يكون فيها للعلماء قولان أو أقوال، وكلها حق، ويشهد له قرآن فنذكر جميع الأقوال وأدلتها من القرآن. لأنها كلها حق، والوجهان المذكوران في تفسير هذه الآية الكريمة كلاهما يشهد له قرآن.
أما على القول الأول بأم المراد بطائره عمله فالآيات الدالة على أن عمل الإنسان لازم له كثيرة جدا. كقوله تعالى: * (ليس بأمانيكم ولا أمانى أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به) *، وقوله * (إنما تجزون ما كنتم تعملون) *، وقوله تعالى: * (ياأيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه) *، وقوله: * (من عمل صالحا فلنفسه ومن أسآء فعليها) *، والآيات بمثل هذا كثيرة جدا.
وأما على القول بأن المراد بطائره نصيبه الذي طار له في الأزل من الشقاوة أو السعادة فالآيات الدالة على ذلك أيضا كثيرة، كقوله: * (هو الذى خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن) *، وقوله: * (ولذالك خلقهم) * أي للاختلاف إلى شقي وسعيد خلقهم. وقوله: * (فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة) *، وقوله: * (فريق فى الجنة وفريق فى السعير) *، إلى غير ذلك من الآيات.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: * (فى عنقه) * أي جعلنا عمله أو ما سبق له من شقاوة في عنقه. أي لازما له لزوم القلادة أو الغل لا ينفك عنه. ومنه قول العرب: تقلدها طوق الحمامة. وقولهم: الموت في الرقاب. وهذا الأمر ربقة في رقبته
(٦٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 55 56 57 58 59 60 61 62 63 64 65 ... » »»