فاجعل لي عندك عهدا توفينيه يوم القيامة. إنك لا تخلف الميعاد. فإذا قال ذلك طبع الله عليها طابعا ووضعها تحت العرش، فإذا كان يوم القيامة نادى مناد: أين الذين لهم عند الله عهد؟ فيقوم فيدخل الجنة انتهى. ذكره القرطبي بهذا اللفظ مرفوعا عن ابن مسعود. وذكر صاحب الدر المنثور أنه أخرجه ابن أبي شيبة، وابن أبي حاتم، والطبراني، والحاكم وصححه، وابن مردويه عن ابن مسعود موقوفا عليه، وليس فيه قوله: فإذا قال ذلك الخ. وذكر صاحب الدر المنثور أيضا: أن الحكيم الترمذي أخرج نحوه مرفوعا عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه. والظاهر أن المرفوع لا يصح. والذي يظهر لي أن العهد في الآية يشمل الإيمان بالله وامتثال أمره واجتناب نهيه. خلافا لمن زعم أن العهد في الآية كقول العرب: عهد الأمير إلى فلان بكذا. أي أمره به. أي لا يشفع إلا من أمره الله بالشفاعة. فهذا القول ليس صحيحا في المراد بالآية وإن كان صحيحا في نفسه. وقد دلت على صحته آيات من كتاب الله. كقوله تعالى: * (من ذا الذى يشفع عنده إلا بإذنه) *، وقوله * (وكم من ملك فى السماوات لا تغنى شفاعتهم شيئا إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشآء ويرضى) *، وقوله: * (ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له) *، وقوله: * (يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمان) *، وقوله تعالى: * (وقالوا اتخذ الرحمان ولدا) *، قد تكلمنا عليها وعلى الآيات التي بمعناها في القرآن في مواضع متعددة، فأغنى ذلك عن إعادته هنا.
* (إن الذين ءامنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمان ودا * فإنما يسرناه بلسانك لتبشر به المتقين وتنذر به قوما لدا * وكم أهلكنا قبلهم من قرن هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا) * قوله تعالى: * (إن الذين ءامنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمان ودا) *. قد قدمنا في ترجمة هذا الكتاب المبارك: أن من أنواع البيان التي تضمنها أن يذكر في القرآن لفظ عام ثم يصرح في بعض المواضع بدخول بعض أفراد ذلك العام فيه، وقد قدمنا أمثلة متعددة لذلك. فإذا علمت ذلك فاعلم أنه جل وعلا في هذه الآية الكريمة ذكر أنه سيعجل لعباده المؤمنين الذين يعملون الصالحات ودا. أي محبة في قلوب عباده. وقد صرح في موضع آخر بدخول نبيه موسى عليه وعلى نبينا والسلام في هذا العموم، وذلك في قوله * (وألقيت عليك محبة منى) * الآية. وفي حديث أبي هريرة المتفق عليه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله إذا أحب عبدا دعا جبريل فقال يا جبريل إني أحب فلانا فأحبه. قال: فيحبه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء إن الله يحب فلانا فأحبوه، قال: فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض. وإن الله إذا أبغض عبدا دعا جبريل، فقال يا جبريل إني أبغض فلانا فأبغضه، قال: فيبغضه جبريل