أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٣ - الصفحة ٥٠٩
* (واتخذوا من دون الله ءالهة ليكونوا لهم عزا * كلا سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضدا * ألم تر أنآ أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم أزا * فلا تعجل عليهم إنما نعد لهم عدا * يوم نحشر المتقين إلى الرحمان وفدا * ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا * لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمان عهدا * وقالوا اتخذ الرحمان ولدا * لقد جئتم شيئا إدا * تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الا رض وتخر الجبال هدا * أن دعوا للرحمان ولدا * وما ينبغى للرحمان أن يتخذ ولدا * إن كل من فى السماوات والا رض إلا آتى الرحمان عبدا * لقد أحصاهم وعدهم عدا * وكلهم ءاتيه يوم القيامة فردا) * قوله تعالى: * (واتخذوا من دون الله ءالهة ليكونوا لهم عزا كلا سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضدا) *. ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أن الكفار المتقدم ذكرهم في قوله: * (ونذر الظالمين فيها جثيا) * اتخذوا من دون الله آلهة أي معبودات من أصنام وغيرها يعبدونها من دون الله، وأنهم عبدوهم لأجل أن يكونوا لهم عزا أي أنصارا وشفعاء ينقذونهم من عذاب الله. كما أوضح تعالى مرادهم ذلك في قوله: * (والذين اتخذوا من دونه أوليآء ما نعبدهم إلا ليقربونآ إلى الله زلفى) * فتقريبهم إياهم إلى الله زلفى في زعمهم هو عزهم الذي أملوه بهم. وكقوله تعالى عنهم: * (ويقولون هاؤلاء شفعاؤنا عند الله) *. فالشفاعة عند الله عز لهم بهم يزعمونه كذبا وافتراء على الله. كما بينه بقوله تعالى: * (قل أتنبئون الله بما لا يعلم فى السماوات ولا فى الا رض سبحانه وتعالى عما يشركون) *.
وقوله في هذه الآية الكريمة * (كلا) * زجر وردع لهم عن ذلك الظن الفاسد الباطل. أي ليس الأمر كذلكا لا تكون المعبودات التي عبدتم من دون الله عزا لكم، بل تكون بعكس ذلك. فيكون عليكم ضدا، أي أعوانا عليكم في خصومتكم وتكذيبكم والتبرؤ منكم. وأقوال العلماء في الآية تدور حول هذا الذي ذكرنا. كقول ابن عباس * (ضدا) * أي أعوانا) وقول الضحاك * (ضدا) * أي أعداء.. وقول قتادة * (ضدا) * أي قرناه في النار يلعن بعضهم بعضا، وكقول ابن عطية * (ضدا) * يجيئهم منهم خلاف ما أملوه فيؤول بهم ذلك إلى الذل والهوان، ضد ما أملوه من العز.
وهذا المعنى الذي ذكر الله جل وعلا في هذه الآية الكريمة: بينه أيضا في غير هذا الموضع. كقوله: * (ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعآئهم غافلون وإذا حشر الناس كانوا لهم أعدآء وكانوا بعبادتهم كافرين) *، وقوله تعالى: * (ذلكم الله ربكم له الملك والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير إن تدعوهم لا يسمعوا دعآءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير) * إلى غير ذلك من الآيات. وضمير الفاعل في قوله: * (سيكفرون) * فيه وجهان للعلماء، وكلاهما يشهد له قرآن. إلا أن لأحدهما قرينة ترجحه على الآخر.
(٥٠٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 504 505 506 507 508 509 510 511 512 513 514 ... » »»