أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٣ - الصفحة ٥٠٧
عن إعادته هنا. وقد عرف في تاريخ النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه أنهم كانوا يسعون في التقدم في جميع الميادين مع المحافظة على طاعة خالق السمواات والأرض جل وعلا.
وأظهر الأقوال عندي في معنى العهد في قوله تعالى في هذه الآية الكريمة: * (أم اتخذ عند الرحمان عهدا) * أن المعنى: أم أعطاه الله عهدا أنه سيفعل له ذلك، بدليل قوله تعالى في نظيره في سورة البقرة: * (قل أتخذتم عند الله عهدا فلن يخلف الله عهده) *. وخير ما يفسره به القرآن القرآن. وقيل: العهد المذكور: العمل الصالح. وقيل شهادة أن لا إله إلا الله. قوله تعالى: * (سنكتب ما يقول ونمد له من العذاب مدا ونرثه ما يقول ويأتينا فردا) *. ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أنه سيكتب ما قاله ذلك الكافر افتراء عليه. من أنه يوم القيامة يؤتي مالا وولدا مع كفره بالله، وأنه يمد له من العذاب مدا. قال القرطبي في تفسير قوله تعالى: * (يقول ونمد له من العذاب) *: أي يزيده عذابا فوق عذاب. وقال الزمخشري في الكشاف: * (يقول ونمد له من العذاب) * أي نطول له من العذاب ما يستأهله. ويعذبه بالنوع الذي يعذب به المستهزؤون. أو نزيده من العذاب ونضاعف له من المدد، يقال: مده وأمده بمعنى. وتدل عليه قراءة علي بن أبي طالب رضي الله عنه * (إن له) * بالضم وأكد ذلك بالمصدر. وذلك من فرط غضب الله. نعوذ به من التعرض لما يستوجب غضبه ا ه. وأصل المدد لغة: الزيادة، ويدل لذلك المعنى قوله تعالى في أكابر الكفار الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله: * (زدناهم عذابا فوق العذاب بما كانوا يفسدون) *، وقوله في الأتباع والمتبوعين: * (قال لكل ضعف ولاكن لا تعلمون) *.
وقوله في هذه الآية: * (ونرثه ما يقول) * أي ما يقول إنه يؤتاه يوم القيامة من مال وولد، أي نسلبه منه في الدنيا ما أعطيناه من المال والولد بإهلاكنا إياه. وقيل: نحرمه ما تمناه من المال والولد في الآخرة، ونجعله للمسلمين. ويدل للمعنى الأول قوله تعالى: * (إنا نحن نرث الا رض ومن عليها وإلينا يرجعون) *، وقوله: * (وإنا لنحن نحى ونميت ونحن الوارثون) * كما تقدم إيضاحه في
(٥٠٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 502 503 504 505 506 507 508 509 510 511 512 ... » »»