مريم قوم قد عصمهم الله منه، فيمسح عن وجوههم، ويحدثهم بدرجاتهم في الجنة فبينما هو كذلك إذ أوحى الله إلى عيسى: إني قد أخرجت عبادا لي لا يدان لأحد بقتالهم، فحرز عبادي إلى الطور. ويبعث الله يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون. فيمر أوائلهم على بحيرة طبرية فيشربون ما فيها، ويمر آخرهم فيقولون لقد كان بهذه مرة ماء، ويحصر نبي الله عيسى وأصحابه حتى يكون رأس الثور لأحدهم خيرا من مائة دينار لأحدكم اليوم. فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه فيرسل الله عليهم النغف في رقابهم. فيصبحون فرسى كموت نفس واحدة. ثم يهبط نبي الله عيسى وأصحابه إلى الأرض فلا يجدون في الأرض موضع شبر إلا ملأه زهمهم ونتنهم. فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه إلى الله فيرسل الله طيرا كأعناق البخت فتحملهم فتطرحهم حيث شاء الله. ثم يرسل الله مطرا لا يكن منه بيت مدر ولا وبر فيغسل الأرض حتى يتركها كالزلفة ثم يقال للأرض: انبتي ثمرتك، وردي بركتك، فيومئذ تأكل العصابة من الرمانة، ويستظلون بقحفها، يبارك في الرسل حتى إن اللقحة من الإبل لتكفي الفئام من الناس. واللقحة من البقر لتكفي القبيلة من الناس. واللقحة من الغنم لتكفي الفخذ الفخذ من الناس. فبينما هم كذلك إذ بعث الله ريحا طيبة فتأخذهم تحت آباطهم. فتقبض روح كل مؤمن وكل مسلم. ويبقى شرار الناس يتهارجون فيها تهارج الحمر فعليهم تقوم الساعة) انتهى بلفظه من صحيح مسلم رحمه الله تعالى.
وهذا الحديث الصحيح قد رأيت فيه تصريح النبي صلى الله عليه وسلم: بأن الله يوحي إلى عيسى بن مريم خروج يأجوج ومأجوج بعد قتله الدجال. فمن يدعي أنهم روسية. وأن السد قد اندك منذ زمان فهو مخالف لما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم مخالفة صريحة لا وجه لها. ولا شك أن كل خبر ناقض خبر الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم فهو باطل. لأن نقيض الخبر الصادق كاذب ضرورة كما هو معلوم. ولم يثبت في كتاب الله ولا سنة نبيه صلى الله عليه وسلم شيء يعارض هذا الحديث الذي رأيت صحة سنده، ووضوح دلالته على المقصود.
والعمدة في الحقيقة لمن ادعى أن يأجوج ومأجوج هم روسية، ومن ادعى من الملحدين أنهم لا وجود لهم أصلا هي حجة عقلية في زعم صاحبها، وهي بحسب المقرر في الجدل قياس استثنائي مركب من شرطية متصلة لزومية في زعم المستدل به يستثنى فيه نقيض التالي، فينتج نقيض المقدم. وصورة نظمه أن يقول: لو كان يأجوج ومأجوج وراء السد إلى الآن، لا طلع عليهم الناس لتطور طرق المواصلات، لكنهم لم