الرجوع إليها تثبت المحذوف المقدر. والله تعالى أعلم. وقد ذكرنا في كتابنا (دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب) وجه الجمع بين قوله تعالى هنا: * (وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جآءهم الهدى ويستغفروا ربهم إلا أن تأتيهم سنة الا ولين) * وبين قوله تعالى: * (وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جآءهم الهدى إلا أن قالوا أبعث الله بشرا رسولا) * بما حاصله باختصار: أن المانع المذكور في سورة (الإسراء) مانع عادي يجوز تخلفه، لأن استغرابهم بعث رسول من البشر مانع عادي يجوز تخلفه لإمكان أن يستغرب الكافر بعث رسول من البشر ثم يؤمن به مع ذلك الاستغراب. فالحضر في قوله تعالى: * (وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جآءهم الهدى إلا أن قالوا أبعث الله بشرا رسولا) * حضر في المانع العادي. وأما الحصر في قوله هنا * (وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جآءهم الهدى ويستغفروا ربهم إلا أن تأتيهم سنة الا ولين أو يأتيهم العذاب قبلا) * فهو حصر في المانع الحقيقي، لأن إرادته جل وعلا عدم إيمانهم، وحكمه عليهم بذلك، وقضاءه به مانع حقيقي من وقوع غيره.
وقوله في هذه الآية الكريمة: * (أو يأتيهم العذاب قبلا) * قرأه الكوفيون: وهم عاصم وحمزة والكسائي (قبلا) بضم القاف والباء. وقرأه الأربعة الباقون من السبعة: وهم نافع، وابن كثير، وأبو عمرو، وابن عامر (قبلا) بكسر القاف وفتح الباء. أما على قراءة الكوفيين فقوله (قبلا) بضمتين جمع قبيل. والفعيل إذا كان اسما يجمع على فعل كسرير وسرر، وطريق وطرق، وحصير وحصر، كما أشار إلى ذلك في الخلاصة بقوله: أو يأتيهم العذاب قبلا) * قرأه الكوفيون: وهم عاصم وحمزة والكسائي (قبلا) بضم القاف والباء. وقرأه الأربعة الباقون من السبعة: وهم نافع، وابن كثير، وأبو عمرو، وابن عامر (قبلا) بكسر القاف وفتح الباء. أما على قراءة الكوفيين فقوله (قبلا) بضمتين جمع قبيل. والفعيل إذا كان اسما يجمع على فعل كسرير وسرر، وطريق وطرق، وحصير وحصر، كما أشار إلى ذلك في الخلاصة بقوله:
* وفعل لاسم رباعي بمد * قد زيد قبل الام اعلالا فقد * ما لم يضاعف في الأعم ذو الألف... إلخ.
وعلى هذا، فمعنى الآية * (أو يأتيهم العذاب قبلا) * أي أنواعا مختلفة، يتلو بعضها بعضا. وعلى قراءة من قرأوا (قبلا) كعنب، فمعناه عيانا، أي أو يأتيهم العذاب عيانا. وقال مجاهد رحمه الله (قبلا) أي فجأة. والتحقيق: أن معناها عيانا. وأصله من المقابلة، لأن المتقابلين يعاين كل واحد منهما الآخر. وذكر أبو عبيد: أن معنى القراءتين واحد، وأن معناهما عيانا، وأصله من المقابلة. وانتصاب (قبلا) على الحال على كلتا القراءتين. وهو على القولين المذكورين في معنى (قبلا) إن قدرنا أنه بمعنى عيانا، فهو مصدر منكر حال كما قدمنا مرارا. وعلى أنه جمع قبيل: فهو اسم جامد