استجابوا لربهم هم العقلاء الذين عقلوا معنى الأمثال، وانتفعوا بما تضمنت من بيان الحق. وأن الذين لم يستجيبوا له هم الذين لم يعقلوها، ولم يعرفوا ما أوضحته من الحقائق. فالفريق الأول هم الذين قال الله فيهم * (ويهدي به كثيرا) *، والفريق الثاني هم الذين قال فيهم * (يضل به كثيرا) * وقال فيهم * (وما يضل به إلا الفاسقين) *.
وقوله في هذه الآية الكريمة: * (ولقد صرفنا) * قال بعض العلماء: مفعول (صرفنا) محذوف، تقديره: البينات والعبر. وعلى هذا ف (من) للناس في هذا القرآن ليذكروا، فقابلوا ذلك بالجدال والخصام. ولذا قال: * (وكان الإنسان أكثر شىء جدلا) * وهذا هو الذي استظهره أبو حيان في البحر، ثم قال: وقال ابن عطية يجوز أن تكون (من) زائدة التوكيد. فالتقدير: ولقد صرفنا كل مثل. فيكون مفعول (صرفنا): (كل مثل) وهذا التخريج هو على مذهب الكوفيين والأخفش، لا على مذهب جمهور البصريين. انتهى الغرض من كلام صاحب البحر المحيط. وقال الزمخشري: (من كل مثل) من كل معنى هو كالمثل في غرابته وحسنه ا ه.
وضابط ضرب المثل الذي يرجع إليه كل معانيه التي يفسر بها: هو إيضاح معنى النظير بذكر نظيره. لأن النظير يعرف بنظيره. وهذا المعنى الذي ذكره في هذه الآية الكريمة جاء مذكورا في آيات أخر. كقوله في (الإسراء): * (ولقد صرفنا للناس فى هاذا القرءان من كل مثل فأبى أكثر الناس إلا كفورا) *، وقوله تعالى: * (ولقد صرفنا فى هاذا القرءان ليذكروا وما يزيدهم إلا نفورا) *، وقوله: * (وكذالك أنزلناه قرءانا عربيا وصرفنا فيه من الوعيد لعلهم يتقون أو يحدث لهم ذكرا) *، وقوله: * (ولقد ضربنا للناس فى هاذا القرءان من كل مثل لعلهم يتذكرون قرءانا عربيا غير ذى عوج لعلهم يتقون) *، وقوله: * (ولقد ضربنا للناس فى هاذا القرءان من كل مثل ولئن جئتهم بأاية ليقولن الذين كفروا إن أنتم إلا مبطلون) *. والآيات بمثل ذلك كثيرة جدا.
وقوله في هذه الآية: * (وكان الإنسان أكثر شىء جدلا) * أي أكثر الأشياء التي من شأنها الخصومة إن فصلتها واحدا بعد واحد. (جدلا) أي خصومة ومماراة بالباطل لقصد إدحاض الحق. ومن الآيات الدالة على خصومة الإنسان بالباطل لإدحاض الحق قوله هنا * (ويجادل الذين كفروا بالباطل ليدحضوا به الحق) *،