لأن الجميع يحيط بهم الهلاك من كل جانب، كما قال تعالى: * (لهم من فوقهم ظلل من النار ومن تحتهم ظلل) *، وقوله: * (لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش) *، وقوله: * (إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم) *. وقال ابن الأعرابي: كل شيء حاجز بين شيئين يسمى موبقا، نقله عنه القرطبي. وبما ذكرنا تعلم أن الضمير في قوله (بينهم) قيل راجع إلى أهل النار. وقيل راجع إلى أهل الجنة وأهل النار معا. وقيل راجع للمشركين وما كانوا يعبدونه من دون الله. وهذا هو أظهرها لدلالة ظاهره السياق عليه، لأن الله يقول: * (ويوم يقول نادوا شركآئى الذين زعمتم فدعوهم فلم يستجيبوا لهم) * ثم قال مخبرا عن العابدين والمعبودين: * (وجعلنا بينهم موبقا) * أي مهلكا يفصل بينهم ويحيط بهم. وهذا المعنى كقوله: * (ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للذين أشركوا مكانكم أنتم وشركآؤكم فزيلنا بينهم) *. أي فرقنا بينهم.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: * (ويوم يقول) * قرأه عامة السبعة ما عدا حمزة بالياء المثناة التحتية، وقرأه حمزة (نقول) بنون العظمة، وعلى قراءة الجمهور فالفاعل ضمير يعود إلى الله، أي يقول هو أي الله. قوله تعالى: * (ورأى المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعوها ولم يجدوا عنها مصرفا) *. ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أن المجرمين يرون النار يوم القيامة، ويظنون أنهم مواقعوها، أي مخالطوها وواقعون فيها. والظن في هذه الآية بمعنى اليقين؛ لأنهم أبصروا الحقائق وشاهدوا الواقع. وقد بين تعالى في غير هذا الموضع أنهم موقنون بالواقع؛ كقوله عنهم: * (ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رءوسهم عند ربهم ربنآ أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون) *، وكقوله: * (فكشفنا عنك غطآءك فبصرك اليوم حديد) *، وقوله تعالى: * (أسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا) *. ومن إطلاق الظن على اليقين تعالى: * (واستعينوا بالصبر والصلواة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم وأنهم إليه راجعون) * أي يوقنون أنهم ملاقوا ربهم. وقوله تعالى: * (قال الذين يظنون أنهم ملاقوا الله كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين) *. وقوله تعالى: * (فأما من أوتى كتابه بيمينه فيقول هآؤم اقرؤا كتابيه إنى ظننت أنى ملاق