أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٣ - الصفحة ٢٨٥
الخلائق عليه يوم القيامة فاعلم أنه بين في مواضع أخر أشياء أخر من أحوال عرضهم عليه. كقوله: * (يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية) *. وبين في مواضع أخر ما يلاقيه الكفار، وما يقال لهم عند ذلك العرض على ربهم. كقوله: * (ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أولائك يعرضون على ربهم ويقول الا شهاد هاؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا وهم بالا خرة هم كافرون) *.
وقوله في هذه الآية الكريمة * (صفا) * أصله مصدر، والمصدر المنكر قد يكون حالا على حد قوله في الخلاصة: وقوله في هذه الآية الكريمة * (صفا) * أصله مصدر، والمصدر المنكر قد يكون حالا على حد قوله في الخلاصة:
* ومصدر منكر حالا يقع * بكثرة كبغتة زيد طلع * لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة) *. هذا الكلام مقول قول محذوف. وحذف القول مطرد في اللغة العربية، كثير جدا في القرآن العظيم. والمعنى: يقال لهم يوم القيامة لقد جئتمونا، أي والله لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة، أي حفاة عراة غرلا، أي غير مختونين، كل واحد منكم فرد لا مال معه ولا ولد، ولا خدم ولا حشم.
وقد أوضح هذا المعنى في مواضع أخر، كقوله: * (ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم وما نرى معكم شفعآءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركآء لقد تقطع بينكم وضل عنكم ما كنتم تزعمون) *، وقوله: * (لقد أحصاهم وعدهم عدا وكلهم ءاتيه يوم القيامة فردا) * وقوله تعالى: * (كما بدأنآ أول خلق نعيده وعدا علينآ) *، وقوله: * (كما بدأكم تعودون) * تقدم. وقوله في هذه الآية الكريمة: * (كما خلقناكم) * (ما) مصدرية، والمصدر المنسبك منها ومن صلتها نعت لمصدر محذوف على حذف مضاف. وإيضاح تقريره: ولقد جئتمونا كما خلقناكم، أي مجيئا مثل مجيء خلقكم، أي حفاة غراة غرلا كما جاء في الحديث، وخالين من المال والولد. وهذا الإعراب هو مقتضى كلام أبي حيان في البحر. ويظهر لي أنه يجوز إعرابه أيضا حالا، أي جئتمونا في حال كونكم مشابهين لكم في حالتكم الأولى، لأن التشبيه يؤول بمعنى الوصف، كما أشار له في الخلاصة بقوله:
(٢٨٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 280 281 282 283 284 285 286 287 288 289 290 ... » »»