العالمين الذى خلقنى فهو يهدين والذى هو يطعمنى ويسقين وإذا مرضت فهو يشفين والذى يميتنى ثم يحيين) *، وقوله تعالى: * (وإذ قال إبراهيم لابيه وقومه إننى برآء مما تعبدون إلا الذى فطرنى فإنه سيهدين) * إلى غير ذلك من الآيات. وقد قدمنا كثيرا من الآيات الدالة على أن ضابط من يستحق العبادة وحده دون غيره أن يكون هو الذي يخلق المخلوقات، ويظهرها من العدم إلى الوجوه بما أغنى عن إعادته هنا.
وقوله في هذه الآية الكريمة: * (بالذى خلقك من تراب) * معنى خلقه إياه من تراب: أي خلق آدم الذي هو أصله من التراب. كما قال تعالى: * (إن مثل عيسى عند الله كمثل ءادم خلقه من تراب) *. ونظير الآية التي نحن بصددها قوله تعالى: * (ياأيها الناس إن كنتم فى ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب) *.
وقوله: * (ثم من نطفة) * أي بعد أن خلق آدم من التراب، وخلق حواء من ضلعه، وجعلها زوجا له كانت طريق إيجاد الإنسان بالتناسل. فبعد طور التراب طور النطفة، ثم طور العلقة إلى آخر أطواره المذكورة في قوله: * (وقد خلقكم أطوارا) *، وقوله تعالى: * (يخلقكم فى بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق فى ظلمات ثلاث) * وقد أوضحها تعالى إيضاحا تاما في قوله: * (ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة فى قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا ءاخر فتبارك الله أحسن الخالقين) *.
ومما يبين خلق الإنسان من تراب، ثم من نطفة، قوله تعالى في (السجدة): * (ذالك عالم الغيب والشهادة العزيز الرحيم الذى أحسن كل شىء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين ثم جعل نسله من سلالة من مآء مهين ثم سواه ونفخ فيه من روحه وجعل لكم السمع والا بصار والا فئدة قليلا ما تشكرون) *. وقوله في هذه الآية: * (ثم سواك رجلا) * كقوله * (خلق الإنسان من نطفة فإذا هو خصيم مبين) *، وقوله: * (أولم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم م بين) * أي بعد أن كان نطفة سار إنسانا خصيما شديد الخصومة في توحيد ربه.