أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٣ - الصفحة ٢١٠
* (والله عليم بذات الصدور) * بعد قوله * (وليبتلى) * دليل واضح في ذلك.
وإذا حققت ذلك فمعنى * (لنعلم أي الحزبين) * أي نعلم ذلك علما يظهر الحقيقة للناس، فلا ينافي أنه كان عالما به قبل ذلك دون خلقه.
واختلف العلماء في قوله * (أحصى) * فذهب بعضهم إلى أنه فعل ماض و (أمدا) مفعوله (وما) في قوله (لما لبثوا) مصدرية. وتقرير المعنى على هذا: لنعلم أن الحزبين ضبط أمدا للبثهم في الكهف.
وممن اختار أن * (أحصى) * فعل ماض: الفارسي والزمخشري. وابن عطية وغيرهم.
وذهب بعضهم إلى أن * (أحصى) * صيغة تفضيل، (وأمدا) تمييز. وممن اختاره الزجاج والتبريزي وغيرهما. وجوز الحوفى وأبو البقاء الوجهين.
والذين قالوا: إن * (أحصى) * فعل ماض قالوا: لا يصح فيه أن يكون صيغة تفضيل. لأنها لا يصح بناؤها هي ولا صيغة فعل التعجب قياسا إلا من الثلاثي، (وأحصى) رباعي فلا تصاغ منه صيغة التفضيل ولا التعجب قياسا. قالوا: وقولهم: ما أعطاه وما أولاه للمعروف، وأعدى من الجرب، وأفلس من ابن المذلق شاذ لا يقاس عليه، فلا يجوز حمل القرآن عليه.
واحتج الزمخشري في الكشاف أيضا لأن * (أحصى) * ليست صيغة تفضيل بأن * (أمدا) * لا يخلو: إما أن ينتصب بأفعل فأفعل لا يعمل. وإما أن ينتصب ب * (لبثوا) * فلا يسد عليه المعنى أن لا يكون سديدا على ذلك القول، وقال: فإن زعمت نصبه بإضمار فعل يدل عليه * (أحصى) * كما أضمر في قوله: * وأضرب منا بالسيوف القوانسا أي نضرب القوانس فقد أبعدت المتناول وهو قريب حيث أبيت أن يكون * (أحصى) * فعلا، ثم رجعت مضطرا إلى تقديره وإضماره انتهى كلام الزمخشري.
وأجيب من جهة المخالفين عن هذا كله قالوا: لا نسلم أن صيغة التفضيل لا تصاغ من غير الثلاثي، ولا نسلم أيضا لأنها لا تعمل.
وحاصل تحرير المقام في ذلك أن في كون صيغة التفضيل تصاغ من (أفعل) كما
(٢١٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 205 206 207 208 209 210 211 212 213 214 215 ... » »»