* (والله عليم بذات الصدور) * بعد قوله * (وليبتلى) * دليل واضح في ذلك.
وإذا حققت ذلك فمعنى * (لنعلم أي الحزبين) * أي نعلم ذلك علما يظهر الحقيقة للناس، فلا ينافي أنه كان عالما به قبل ذلك دون خلقه.
واختلف العلماء في قوله * (أحصى) * فذهب بعضهم إلى أنه فعل ماض و (أمدا) مفعوله (وما) في قوله (لما لبثوا) مصدرية. وتقرير المعنى على هذا: لنعلم أن الحزبين ضبط أمدا للبثهم في الكهف.
وممن اختار أن * (أحصى) * فعل ماض: الفارسي والزمخشري. وابن عطية وغيرهم.
وذهب بعضهم إلى أن * (أحصى) * صيغة تفضيل، (وأمدا) تمييز. وممن اختاره الزجاج والتبريزي وغيرهما. وجوز الحوفى وأبو البقاء الوجهين.
والذين قالوا: إن * (أحصى) * فعل ماض قالوا: لا يصح فيه أن يكون صيغة تفضيل. لأنها لا يصح بناؤها هي ولا صيغة فعل التعجب قياسا إلا من الثلاثي، (وأحصى) رباعي فلا تصاغ منه صيغة التفضيل ولا التعجب قياسا. قالوا: وقولهم: ما أعطاه وما أولاه للمعروف، وأعدى من الجرب، وأفلس من ابن المذلق شاذ لا يقاس عليه، فلا يجوز حمل القرآن عليه.
واحتج الزمخشري في الكشاف أيضا لأن * (أحصى) * ليست صيغة تفضيل بأن * (أمدا) * لا يخلو: إما أن ينتصب بأفعل فأفعل لا يعمل. وإما أن ينتصب ب * (لبثوا) * فلا يسد عليه المعنى أن لا يكون سديدا على ذلك القول، وقال: فإن زعمت نصبه بإضمار فعل يدل عليه * (أحصى) * كما أضمر في قوله: * وأضرب منا بالسيوف القوانسا أي نضرب القوانس فقد أبعدت المتناول وهو قريب حيث أبيت أن يكون * (أحصى) * فعلا، ثم رجعت مضطرا إلى تقديره وإضماره انتهى كلام الزمخشري.
وأجيب من جهة المخالفين عن هذا كله قالوا: لا نسلم أن صيغة التفضيل لا تصاغ من غير الثلاثي، ولا نسلم أيضا لأنها لا تعمل.
وحاصل تحرير المقام في ذلك أن في كون صيغة التفضيل تصاغ من (أفعل) كما