أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٢ - الصفحة ٩٧
عن أبي داود، أنه رواه من وجه آخر موقوفا على عمرو بن شعيبا وقال ابن حجر: إن وقفه هو الراجح.
وذهب الأئمة الثلاثة، مالك، والشافعي، وأبو حنيفة: إلى أنه لا يحرق رحله، واحتجوا بأنه صلى الله عليه وسلم لم يحرق رحل غال، بما رواه الإمام أحمد، وأبو داود، عن عبد الله بن عمرو، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أصاب غنيمة أمر بلالا فنادى في الناس، فيجيئون بغنائمهم، فيخمسه، ويقسمه، فجاء رجل بعد ذلك بزمام من شعر، فقال: يا رسول الله هذا فيما كنا أصبناه من الغنيمة، فقال: (أسمعت بلالا ينادي ثلاثا)، قال: نعم، قال: (فما منعك أن تجيء به؟) فاعتذر إليه، فقال: كن أنت تجيء به يوم القيامة فلن أقبله عنك، هذا لفظ أبي داود، وهذا الحديث سكت عنه أبو داود، والمنذري، وأخرجه الحاكم وصححه.
وقال البخاري: قد روي في غير حديث عن الغال، ولم يأمر بحرق متاعه. فقد علمت أن أدلة القائلين بعدم حرق رحل الغال أقوى، وهم أكثر العلماء.
قال مقيده عفا الله عنه: الذي يظهر لي رجحانه في هذه المسألة: هو ما اختاره ابن القيم، قال في (زاد المعاد) بعد أن ذكر الخلاف المذكور في المسألة: والصواب أن هذا من باب التعزير والعقوبات المالية الراجعة إلى اجتهاد الأئمة، فإنه حرق وترك، وكذلك خلفاؤه من بعده، ونظير هذا قتل شارب الخمر في الثالثة أو الرابعة، فليس بحد. ولا منسوخ. وإنما هو تعزير يتعلق باجتهاد الإمام. اه.
وإنما قلنا: إن هذا القول أرجح عندنا. لأن الجمع واجب إذا أمكن، وهو مقدم على الترجيح بين الأدلة، كما علم في الأصول، والعلم عند الله تعالى.
أما لو سرق واحد من الغانمين من الغنيمة قبل القسم، أو وطئ جارية منها قبل القسم، فقال مالك وجل أصحابه: يحد حد الزنى والسرقة في ذلك، لأن تقرر الملك لا يكون بإحراز الغنيمة. بل بالقسم.
وذهب الجمهور منهم الأئمة الثلاثة إلى أنه لا يحد للزنى ولا للسرقة لأن استحقاقه بعض الغنيمة شبهة تدرأ عنه الحد. وبعض من قال بهذا يقول: إن ولدت فالولد حر يلحق نسبه به، وهو قول أحمد. والشافعي، خلافا لأبي حنيفة. وفرق بعض المالكية بين السرقة والزنى، فقال: لا يحد للزنى، ويقطع إن سرق أكثر من نصيبه بثلاثة دراهم.
(٩٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 92 93 94 95 96 97 98 99 100 101 102 ... » »»