أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٢ - الصفحة ١٠٠
تصريح عمر بأنه صلى الله عليه وسلم كان ينفق على أهله نفقة سنته من فيء بني النضير، وتصديق الجماعة المذكورة له في ذلك، وهذا الحديث مخرج في الصحيحين وغيرهما من طرق متعددة بألفاظ متقاربة المعنى. وهو نص في أن نفقة أهله صلى الله عليه وسلم كانت في الفيء، لا من الغنيمة.
ويدل له أيضا الحديث المتقدم (مالي مما أفاء الله عليكم إلا الخمس، والخمس مردود عليكم) فإن قيل ما وجه الجمع بين ما ذكرتم، وبين ما أخرجه أبو داود من طريق أسامة بن زيد عن الزهري، عن مالك بن أوس بن الحدثان قال: كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث صفايا: (بنو النضير، وخيبر، وفدك. فأما بنو النضير فكانت حبسا لنوائبه، وأما فدك فكانت حبسا لأبناء السبيل. وأما خيبر فجزأها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أجزاء: جزئين بين المسلمين، وجزءا نفقة لأهله، فما فضل عن نفقة أهله جعله بين فقراء المهاجرين).
فالجواب والله تعالى أعلم أنه لا تعارض بين الروايتين، لأن (فدك) ونصيبه صلى الله عليه وسلم من (خيبر) كلاهما فيء كما قدمنا عليه الأدلة الواضحة، وكذلك (النضير)، فالجميع فيء كما تقدم إيضاحه، فحكم الكل واحد.
وفي بعض الروايات الثابتة في الصحيح عن عائشة رضي الله عنها، قالت: وكانت فاطمة رضي الله عنها تسأل أبا بكر نصيبها مما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر، وفدك، وصدقته بالمدينة، فأبى أبو بكر عليها ذلك، وقال: لست تاركا شيئا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل به إلا عملت به، فإني أخشى إن تركت شيئا من أمره أن أزيغ.
فأما صدقته بالمدينة فدفعها عمر إلى علي، وعباس، وأما خيبر، وفدك فأمسكهما عمر، وقال: هما صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم كانتا لحقوقه التي تعروه ونوائبه، وأمرهما إلى من ولي الأمر، قال: فهما على ذلك إلى اليوم.
هذا لفظ البخاري في صحيحه.
وقال ابن حجر في (الفتح): وقد ظهر بهذا أن صدقة النبي صلى الله عليه وسلم تختص بما كان من بني النضير. وأما سهمه من خيبر، وفدك فكان حكمه إلى من يقوم بالأمر بعده، وكان أبو بكر يقدم نفقة نساء النبي صلى الله عليه وسلم مما كان يصرفه فيصرفه من خيبر، وفدك، وما فضل من ذلك جعله في المصالح، وعمل عمر بعده بذلك، فلما كان عثمان تصرف في فدك بحسب ما رآه، فروى أبو داود من طريق مغيرة بن مقسم، قال: جمع عمر بن عبد العزيز بني مروان، فقال: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينفق من فدك على بني هاشم، ويزوج أيمهم،
(١٠٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 95 96 97 98 99 100 101 102 103 104 105 ... » »»