لا يرضى الله، وذلك كقوله: * (وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشآء ويعذب من يشآء والله على كل شيء) * فلو لم تنسخ المحاسبة بخطرات القلوب لكان الامتثال صعبا جدا، شاقا على النفوس، لا يكاد يسلم من الإخلال به، إلى من سلمه الله تعالى فلاشك أن نسخ ذلك بقوله: * (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) * خير للمكلف من بقاء ذلك الحكم الشاق، وهكذا.
والجواب عن الإشكال الثاني هو أن قوله * (أو مثلها) * يراد به مماثلة الناسخ والمنسوخ في حد ذاتيهما. فلا ينافي أن يكون الناسخ يستلزم فوائد خارجة عن ذاته يكون يها خيرا من المنسوخ، فيكون باعتبار ذاته مماثلا للمنسوخ، وباعتبار ما يستلزمه من الفوائد التي لا توجد في المنسوخ خيرا من المنسوخ.
وإيضاحه أن عامة المفسرين يمثلون لقوله * (أو مثلها) * بنسخ استقبال بيت المقدس باستقبال بيت الله الحرام. فإن هذا الناسخ والمنسوخ بالنظر إلى ذاتيهما متماثلان. لأن كل واحد منهما جهة من الجهات، وهي في حقيقة أنفسها متساوية، فلا ينافي أن يكون الناسخ مشتملا على حكم خارجة عن ذاته تصيره خيرا من المنسوخ بذلك الاعتبار. فإن استقبال بيت الله الحرام تلزمه نتائج متعددة مشار لها في القرآن ليست موجودة في استقبال بيت المقدس، منها أنه يسقط به احتجاج كفار مكة على النبي صلى الله عليه وسلم بقولهم: تزعم أنك على ملة إبراهيم ولا تستقبل قبلتها وتسقط به حجة اليهود بقولهم: تعيب ديننا وتستقبل قبلتنا، وقبلتنا من دينناا وتسقط به أيضا حجة علماء اليهود فإنهم عندهم في التوراة: أنه صلى الله عليه وسلم سوف يؤمر باستقبال بيت المقدس، ثم يؤمر بالتحول عنه إلى استقبال بيت الله الحرام. فلو لم يؤمر بذلك لاحتجوا عليه بما عندهم في التوراة من أنه سيحول إلى بيت الله الحرام، والفرض أنه لم يحول.
وقد أشار تعالى إلى هذه الحكم التي هي إدحاض هذه الحجج الباطلة بقوله: * (ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره) * ثم بين الحكمة بقوله: * (لئلا يكون للناس عليكم حجة) *. وإسقاط هذه الحجج من الدواعي التي دعته صلى الله عليه وسلم إلى حب التحويل إلى بيت الله الحرام المشار إليه في قوله تعالى: * (قد نرى تقلب وجهك في السمآء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام) *.
المسألة الخامسة اعلم أن النسخ على ثلاثة أقسام: