أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٢ - الصفحة ٤٤٩
. وكنسخ قوله تعالى: * (وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله) *، بقوله: * (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) *. فإنه نسخ للأثقل بالأخف كما هو ظاهر. وكنسخ اعتداد المتوفى عنها بحول، المنصوص عليه في قوله: * (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لازواجهم متاعا إلى الحول) *، بأخف منه وهو الاعتداد بأربعة أشهر وعشر، المنصوص عليه في قوله: * (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا) *.
تنبيه اعلم أن في قوله جل وعلا: * (نأت بخير منها أو مثلها) * إشكالا من جهتين:
الأولى أن يقال: إما أن يكون الأثقل خيرا من الأخف. لأنه أكثر أجرا، أو الأخف خير من الأثقل لأنه أسهل منه، وأقرب إلى القدرة على الامتثال. وكون الأثقل خيرا يقتضي منع نسخه بالأخف، كما أن كون الأخف خيرا يقتضي منع نسخه بالأثقل. لأن الله صرح بأنه يأتي بما هو خير من المنسوخ أو مماثل له، لا ما هو دونه. وقد عرفت: أن الواقع جواز نسخ كل منهما بالآخر.
الجهة الثانية من جهتي الإشكال في قوله * (أو مثلها) * لأنه يقال: ما الحكمة في نسخ المثل ليبدل منه مثله؟ وأي مزية للمثل على المثل حتى ينسخ ويبدل منه؟
والجواب عن الإشكال الأول هو أن الخيرية تارة تكون في الأثقل لكثرة الأجر، وذلك فيما إذا كان الأجر كثيرا جدا والامثتال غير شديد الصعوبة، كنسخ التخيير بين الإطعام والصوم بإيجاب الصوم. فإن في الصوم أجرا كثيرا كما في الحديث القدسي (إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به)، والصائمون من خيار الصابرين. لأنهم صبروا لله عن شهوة بطونهم وفروجهم. والله يقول: * (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب) * ومشقة الصوم عادية ليس فيها صعوبة شديدة تكون مظنة لعدم القدرة على الامتثال، وإن عرض ما يقتضي ذلك كمرض أو سفر. فالتسهيل برخصة الإفطار منصوص بقوله * (فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر) *. وتارة تكون الخيرية في الأخف، وذلك فيما إذا كان الأثقل المنسوخ شديد الصعوبة بحيث يعسر فيه الامتثال. فإن الأخف يكون خيرا منه، لأن مظنة عدم الامتثال تعرض المكلف للوقوع فيما
(٤٤٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 444 445 446 447 448 449 450 451 452 453 454 ... » »»