أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٢ - الصفحة ٣٢٠
: أي فجر والمعنى على هذا القول: أظهر ما تؤمر به وبلغه علنا على رؤوس الأشهاد وتقول العرب: صدعت الشيء: أظهرته. ومنه قول أبي ذؤيب:
* وكأنهن ربابة وكأنه * يسر يفيض على القداح ويصدع * قاله صاحب اللسان.
وقال بعض العلماء: أصله من الصدع بمعنى التفريق والشق في الشيء الصلب كالزجاج والحائط. ومنه بمعنى التفريق: قوله تعالى: * (من قبل أن يأتى يوم لا مرد له من الله يومئذ يصدعون) * أي يتفرقون: فريق في الجنة وفريق في السعير. بدليل قوله تعالى: * (ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون) * ومنه قول غيلان ذي الرمة: ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون) * ومنه قول غيلان ذي الرمة:
* عشية قلبي في المقيم صديعه * وراح جناب الظاعنين صديع * يعني أن قلبه افترق إلى جزءين: جزء في المقيم، وجزء في الطاعنين.
وعلى هذا القول * (فاصدع بما تؤمر) * أي فرق بين الحق والباطل بما أمرك الله بتبليغه. وقوله: * (بما تؤمر) * يحتمل أن تكون (ما) موصولة. ويحتمل أن تكون مصدرية، بناء على جواز سبك المصدر من أن والفعل المبني للمفعول، ومنع ذلك جماعة من علماء العربية. قال أبو حيان في (البحر): والصحيح أن ذلك لا يجوز. قوله تعالى: * (وأعرض عن المشركين) *. في هذه الآية الكريمة قولان معروفان للعلماء:
أحدهما أن معنى * (وأعرض عن المشركين) * أي لا تبال بتكذيبهم واستهزائهم، ولا يصعب عليك ذلك. فالله حافظك منهم.
والآية على هذا التأويل معناها: فاصدع بما تؤمر أي بلغ رسالة ربك، وأعرض عن المشركين، أي لا تبال بهم ولا تخشهم. وهذا المعنى كقوله تعالى: * (يأيها الرسول بلغ مآ أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس) *.
الوجه الثاني وهو الظاهر في معنى الآية أنه كان في أول الأمر مأمورا بالإعراض عن المشركين، ثم نسخ ذلك بآيات السيف. ومن الآيات الدالة على ذلك قوله تعالى: * (اتبع مآ أوحى إليك من ربك لا إلاه إلا هو وأعرض عن المشركين) *، وقوله: * (فأعرض عنهم وانتظر) *، وقوله: * (فأعرض عن من تولى عن ذكرنا ولم يرد إلا الحيواة الدنيا) * وقوله: * (ولا تطع الكافرين والمنافقين ودع
(٣٢٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 315 316 317 318 319 320 321 322 323 324 325 ... » »»