ويفهم من دليل خطاب الآية الكريمة أعني مفهوم مخالفتها أن غير المؤمنين لا يخفض لهم الجناح، بل يعاملون بالشدة والغلظة.
وقد بين تعالى هذا المفهوم في مواضع أخر. كقوله تعالى: * (ياأيها النبى جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم) *، وقوله: * (أشدآء على الكفار رحمآء بينهم) * وقوله: * (أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين) * كما قدمناه في المائدة. قوله تعالى: * (كمآ أنزلنا على المقتسمين) *. في المراد بالمقتسمين أقوال للعلماء معروفة، وكل واحد منها يشهد له قرآن. إلا أن في الآية الكريمة قرينة تضعف بعض تلك الأقوال:
الأول أن المراد بالمقتسمين: الذين يحلفون على تكذيب الرسل ومخالفتهم، وعلى هذا القول فالاقتسام افتعال من القسم بمعنى اليمين، وهو بمعنى التقاسم.
ومن الآيات التي ترشد لهذا الوجه قوله تعالى عن قوم صالح: * (قالوا تقاسموا بالله لنبيتنه وأهله) *. أي نقتلهم ليلا، وقوله: * (وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت) *، وقوله: * (أولم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوال) *، وقوله: * (أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة) * إلى غير ذلك من الآيات. فكأنهم كانوا لا يكذبون بشيء إلا أقسموا عليه. فسموا مقتسمين.
القول الثاني أن المراد بالمقتسمين: اليهود والنصارى. وإنما وصفوا بأنهم مقتسمون لأنهم اقتسموا كتبهم فآمنوا ببعضها وكفروا ببعضها.
ويدل لهذا القول قوله تعالى: * (أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض) *، وقوله: * (ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض) *.
القول الثالث أن المراد بالمقتسمين: جماعة من كفار مكة اقتسموا القرآن بأقوالهم الكاذبة، فقال بعضهم: هو شعر. وقال بعضهم: هو سحر. وقال بعضهم: كهانة.
وقال بعضهم: أساطير الأولين. وقال بعضهم: اختلفه محمد، صلى الله عليه وسلم.
وهذا القول تدل له الآيات الدالة على أنهم قالوا في القرآن تلك الأقوال المفتراة