أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٢ - الصفحة ٢٥٩
له تتجدد به العلوم والمعارف التي لم تكن عند عامة الناس، ولا مانع من حمل الآية على ما حملها عليه المفسرون.
وما ذكرنا أيضا أنه يفهم منها لما تقرر عند العلماء من أن الآية إن كانت تحتمل معاني كلها صحيحة تعين حملها على الجميع كما حققه بأدلته الشيخ تقي الدين أبو العباس بن تيمية رحمه الله في رسالته في علوم القرآن.
وصرح تعالى بأن القمر في السبع الطباق في قوله: * (ألم تروا كيف خلق الله سبع سماوات طباقا وجعل القمر فيهن نورا) * فعلم من الآيات أن القمر في السبع الطباق، وأن الله حفظها من كل شيطان رجيم، فلم يبق شك ولا لبس في أن الشياطين أصحاب الأقمار الصناعية سيرجعون داخرين صاغرين عاجزين عن الوصول إلى القمر والوصول إلى السماء، ولم يبق لبس في أن السماء التي فيها القمر ليس يراد بها مطلق ما علاك، وإن كان لفظ السماء قد يطلق لغة على كل ما علاك، كسقف البيت، ومنه قوله تعالى: * (فليمدد بسبب إلى السمآء) *. وقد قال الشاعر: فليمدد بسبب إلى السمآء) *. وقد قال الشاعر:
* وقد يسمى سماء كل مرتفع * وإنما الفضل حيث الشمس والقمر * لتصريحه تعالى بأن القمر في السبع الطباق. لأن الضمير في قوله: * (وجعل القمر فيهن) * راجع إلى السبع الطباق وإطلاق المجموع مرادا بعضه كثير في القرآن وفي كلام العرب.
ومن أصرح أدلته: قراءة حمزة والكسائي * (فإن قاتلوكم فاقتلوهم) * من القتل في الفعلين. لأن من قتل بالبناء للمفعول لا يمكن أن يؤمر بعد موته بأن يقتل قاتله، ولكن المراد: فإن قتلوا بعضكم فليقتلهم بعضكم الآخر، كما هو ظاهر. وقال أبو حيان في البحر المحيط في تفسير قوله تعالى * (وجعل القمر فيهن نورا) *. وصح كون السماوات ظرفا للقمر. لأنه لا يلزم من الظرف أن يملأه المظروف. تقول: زيد في المدينة، وهو في جزء منها.
واعلم أن لفظ الآية صريح في أن نفس القمر في السبع الطباق. لأن لفظة * (جعل) * في الآية هي التي بمعنى صير، وهي تنصب المبتدأ والخبر، والمعبر عنه بالمبتدأ هو المعبر عنه بالخبر بعينه لا شيء آخر، فقولك: جعلت الطين خزفا، والحديد خاتما، لا يخفى فيه أن الطين هو الخزف بعينه، والحديد هو الخاتم، وكذلك قوله: * (وجعل القمر
(٢٥٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 254 255 256 257 258 259 260 261 262 263 264 ... » »»