وهو دليل على عدم ردهم إلى الدنيا مرة أخرى، وأشار إلى ذلك بقوله: * (أولم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوال) * جوابا لقولهم: * (أخرنآ إلى أجل قريب نجب دعوتك ونتبع الرسل) *، وقوله: * (ذلكم بأنه إذا دعى الله وحده كفرتم وإن يشرك به تؤمنوا) * بعد قوله تعالى عنهم: * (فاعترفنا بذنوبنا فهل إلى خروج من سبيل) *، وقوله: * (وتراهم يعرضون عليها خاشعين من الذل ينظرون من طرف خفى) *، بعد قوله: * (ومن يضلل الله فما له من ولى من بعده وترى الظالمين لما رأوا العذاب يقولون هل إلى مرد من سبيل) *، وقوله هنا: * (قد خسروا أنفسهم) * بعد قوله: * (يحزنون) *.
فكل ذلك يدل على عدم الرد إلى الدنيا، وعلى وجوب العذاب، وأنه لا محيص لهم عنه.
وبين في موضع آخر أنهم لو ردوا لعادوا إلى الكفر والطغيان. وهو قوله: * (ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه) *، وفي هذه الآية الكريمة دليل واضح على أنه تعالى يعلم المعدوم الممكن الذي سبق في علمه أنه لا يوجد كيف يكون لو وجد، فهو تعالى يعلم أنهم لا يردون إلى الدنيا مرة أخرى ويعلم هذا الرد الذي لا يكون لو وقع كيف يكون كما صرح به في قوله: * (ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون) *، ويعلم أن المتخلفين من المنافقين عن غزوة تبوك لا يحضرونها لأنه هو الذي ثبطهم عنها لحكمة كما بينه بقوله: * (ولاكن كره الله انبعاثهم فثبطهم) *. وهو يعلم هذا الخروج الذي لا يكون لو وقع كيف يكون كما صرح به في قوله: * (لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا ولاوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة) *، ونظير ذلك قوله تعالى: * (ولو رحمناهم وكشفنا ما بهم من ضر للجوا فى طغيانهم يعمهون) * إلى غير ذلك من الآيات.
وبين في مواضع أخر أن اعترافهم هذا بقولهم: * (جآءت رسل ربنا بالحق ونودوا) * لا ينفعهم كقوله تعالى: * (فاعترفوا بذنبهم فسحقا لاصحاب السعير) *، وقوله: * (قالوا بلى ولاكن حقت كلمة العذاب على) *، ونحو ذلك من الآيات. * (إن ربكم الله الذى خلق السماوات والا رض في ستة أيام ثم استوى على العرش يغشى اليل النهار يطلبه حثيثا والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ألا له الخلق والا مر تبارك الله رب العالمين * ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين) * قوله تعالى: * (إن ربكم الله الذى خلق السماوات والا رض في ستة أيام) *.
لم يفصل هنا ذلك، ولكنه فصله في سورة (فصلت) بقوله: * (قل أءنكم لتكفرون بالذى خلق