أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٢ - الصفحة ١٦
الآية الكريمة: أن أصحاب الأعراف قالوا لرجال من أهل النار: يعرفونهم بسيماهم لم ينفعكم ما كنتم تجمعونه في الدنيا من المال، ولا كثرة جماعتكم وأنصاركم، ولا استكباركم في الدنيا.
وبين في مواضع أخر وجه ذلك: وهو أن الإنسان يوم القيامة، يحشر فردا، لا مال معه، ولا ناصر، ولا خادم، ولا خول. وأن استكباره في الدنيا يجزئ به عذاب الهون في الآخرة، كقوله. * (ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم) *، وقوله: * (ونرثه ما يقول ويأتينا فردا) *، وقوله: * (وكلهم ءاتيه يوم القيامة فردا) *، وقوله: * (فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تستكبرون فى الا رض بغير الحق) *. * (هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتى تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جآءت رسل ربنا بالحق فهل لنا من شفعآء فيشفعوا لنآ أو نرد فنعمل غير الذى كنا نعمل قد خسروا أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون) * قوله تعالى: * (يوم يأتى تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جآءت رسل ربنا بالحق فهل لنا من شفعآء فيشفعوا لنآ أو نرد فنعمل غير الذى كنا نعمل) *.
بين تعالى في هذه الآية الكريمة: أن الكفار، إذا عاينوا الحقيقة يوم القيامة يقرون بأن الرسل جاءت بالحق، ويتمنون أحد أمرين: أن يشفع لهم شفعاء فينقذوهم، أو يردوا إلى الدنيا ليصدقوا الرسل، ويعملوا بما يرضي الله، ولم يبين هنا هل يشفع لهم أحد؟ وهل يردون؟ وماذا يفعلون لو ردوا؟ وهل اعترافهم ذلك بصدق الرسل ينفعهم؟ ولكنه تعالى بين ذلك كله في مواضع أخر، فبين: أنهم لا يشفع لهم أحد بقوله: * (فما لنا من شافعين) *، وقوله: * (فما تنفعهم شفاعة الشافعين) *، وقوله: * (ولا يشفعون إلا لمن ارتضى) * مع قوله: * (ولا يرضى لعباده الكفر) *، وقوله: * (فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين) *، وبين أنهم لا يردون في مواضع متعددة، كقوله: * (ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رءوسهم عند ربهم ربنآ أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون ولو شئنا لاتينا كل نفس هداها ولاكن حق القول منى لاملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين) * رضي الله عنه فقوله: * (ولاكن حق القول منى لاملأن جهنم) *.
دليل على أن النار وجبت لهم، فلا يردون، ولا يعذرون، وقوله * (وهم يصطرخون فيها ربنآ أخرجنا نعمل صالحا غير الذى كنا نعمل أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجآءكم النذير) *.
فصرح بأنه قطع عذرهم في الدنيا. بالإمهال مدة يتذكرون فيها. وإنذار الرسل،
(١٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 ... » »»