أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٢ - الصفحة ٥
ولا ينافي ما ذكرنا من أن الإنذار للكفار، والذكرى للمؤمنين. أنه قصر الإنذار على المؤمنين دون غيرهم في قوله تعالى: * (إنما تنذر من اتبع الذكر وخشى الرحمان بالغيب فبشره بمغفرة وأجر كريم) *. لأنه لما كان الانتفاع بالإنذار مقصورا عليهم، صار الإنذار كأنه مقصور عليهم، لأن ما نفع فيه فهو كالعدم.
ومن أساليب اللغة العربية: التعبير عن قليل النفع بأنه لا شيء.
وحاصل تحرير المقام في هذا المبحث: أن الإنذار يطلق في القرآن إطلاقين.
أحدهما: عام لجميع الناس كقوله: * (ياأيها المدثر قم فأنذر) *، وقوله: * (تبارك الذى نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا) *.
وهذا الإنذار العام: هو الذي قصر على المؤمنين قصرا إضافيا في قوله: * (إنما تنذر من اتبع الذكر) * الآية. لأنهم هم المنتفعون به دون غيرهم.
والثاني: إنذار خاص بالكفار لأنهم هم الواقعون فيما أنذروا به من النكال والعذاب، وهو الذي يذكر في القرآن مبينا أنه خاص بالكفار دون المؤمنين كقوله: * (لتبشر به المتقين وتنذر به قوما لدا) *، وقوله هنا: * (لتنذر به وذكرى للمؤمنين) * اه.
والإنذار في اللغة العربية: الإعلام المقترن بتهديد، فكل إنذار إعلام، وليس كل إعلام إنذارا. * (وكم من قرية أهلكناها فجآءها بأسنا بياتا أو هم قآئلون * فما كان دعواهم إذ جآءهم بأسنآ إلا أن قالوا إنا كنا ظالمين * فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين * فلنقصن عليهم بعلم وما كنا غآئبين) * قوله تعالى: * (وكم من قرية أهلكناها فجآءها بأسنا بياتا أو هم قآئلون) *.
خوف الله تعالى في هذه الآية الكريمة الكفار الذين كذبوه صلى الله عليه وسلم، بأنه أهلك كثيرا من القرى بسبب تكذيبهم الرسل، فمنهم من أهلكها بياتا أي ليلا، ومنهم من أهلكها وهم قائلون، أي في حال قيلولتهم، والقيلولة: الاستراحة وسط النهار. يعني: فاحذروا تكذيب رسولي صلى الله عليه وسلم لئلا أنزل بكم مثل ما أنزلت بهم، وأوضح هذا المعنى في آيات أخر كقوله: * (ولقد استهزىء برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزءون) *، وقوله: * (فكأين من قرية أهلكناها وهى ظالمة فهى خاوية على عروشها وبئر معطلة وقصر مشيد) *، وقوله: * (وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلا وكنا نحن الوارثين) *، وقوله: * (أفلم يسيروا فى الا رض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم دمر الله عليهم) *، ثم بين أنه
(٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 ... » »»