أضواء البيان - الشنقيطي - ج ١ - الصفحة ٨٨
قال الشوكاني في نيل الأوطار: والظاهر عدم وجوب الدم؛ لعدم الدليل.
قال مقيده عفا الله عنه: الظاهر: أن الدليل عند من قال بذلك هو الأحاديث الواردة بأنه صلى الله عليه وسلم لما صده المشركون عام الحديبية نحر قبل الحلق وأمر أصحابه بذلك فمن ذلك ما رواه أحمد والبخاري وأبو داود عن المسور ومروان في حديث عمرة الحديبية والصلح أن النبي صلى الله عليه وسلم لما فرغ من قضية الكتاب قال لأصحابه: قوموا فانحروا ثم احلقوا.
وللبخاري عن المسور أن النبي صلى الله عليه وسلم نحر قبل أن يحلق وأمر أصحابه بذلك اه. فدل فعله وأمره على أن ذلك هو اللازم للمحصر ومن قدم الحلق على النحر فقد عكس ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم ومن أخل بنسك فعليه دم.
قال مقيده عفا الله عنه: الذي تدل عليه نصوص السنة الصحيحة أن النحر مقدم على الحلق ولكن من حلق قبل أن ينحر فلا حرج عليه من إثم ولا دم فمن ذلك ما أخرجه الشيخان في صحيحيهما عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم أجاب من سأله بأنه ظن الحلق قبل النحر فنحر قبل أن يحلق بأن قال له: افعل ولا حرج.
ومن ذلك ما أخرجه الشيخان في صحيحيهما أيضا عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قيل له في الذبح والحلق والرمي والتقديم والتأخير فقال: لا حرج.
وفي رواية للبخاري وأبي داود والنسائي وابن ماجة سأله رجل فقال: حلقت قبل أن أذبح قال: اذبح ولا حرج وقال: رميت بعد ما أمسيت فقال: افعل ولا حرج.
وفي رواية للبخاري قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم: زرت قبل أن أرمي قال: لا حرج قال: حلقت قبل أن أذبح قال: لا حرج والأحاديث بمثل هذا كثيرة. وهي تدل دلالة لا لبس فيها على أن من حلق قبل أن ينحر لا شئ عليه من إثم ولا فدية؛ لأن قوله: لا حرج نكرة في سياق النفي ركبت مع لا فبنيت على الفتح. والنكرة إذا كانت كذلك فهي نص صريح في العموم فالأحاديث إذن نص صريح في عموم النفي لجميع أنواع الحرج من إثم وفدية. والله تعالى أعلم.
ولا يتضح حمل الأحاديث المذكورة على من قدم الحلق جاهلا أو ناسيا وإن كان سياق حديث عبد الله بن عمرو المتفق عليه يدل على أن السائل جاهل؛ لأن بعض
(٨٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 83 84 85 86 87 88 89 90 91 92 93 ... » »»