أضواء البيان - الشنقيطي - ج ١ - الصفحة ٦٦
الخنزير فلم يأكل حتى مات دخل النار إلا أن يعفو الله عنه.
وقال أبو الحسن الطبري المعروف بالكيا: وليس أكل الميتة عند الضرورة رخصة بل هو عزيمة واجبة ولو امتنع من أكل الميتة كان عاصيا نقله القرطبي وغيره.
وممن اختار عدم الوجوب ولو أدى عدم الأكل إلى الهلاك أبو إسحاق من الشافعية وأبو يوسف صاحب أبي حنيفة رحمهم الله وغيرهم واحتجوا بأن له غرضا صحيحا في تركه وهو اجتناب النجاسة والأخذ بالعزيمة.
وقال ابن قدامة في المغني في وجه كل واحد من القولين ما نصه: وهل يجب الأكل من الميتة على المضطر فيه وجهان:
أحدهما: يجب وهو قول مسروق وأحد الوجهين لأصحاب الشافعي.
قال الأثرم: سئل أبو عبد الله عن المضطر يجد الميتة ولم يأكل فذكر قول مسروق: من اضطر فلم يأكل ولم يشرب دخل النار. وهذا اختيار ابن حامد وذلك لقول الله تعالى: * (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) * وترك الأكل مع إمكانه في هذا الحال إلقاء بيده إلى التهلكة وقال الله تعالى: * (ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما) *؛ ولأنه قادر على إحياء نفسه بما أحله الله فلزمه كما لو كان معه طعام حلال.
والثاني: لا يلزمه؛ لما روى عن عبد الله بن حذافة السهمي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن طاغية الروم حبسه في بيت وجعل معه خمرا ممزوجا بماء ولحم خنزير مشوي ثلاثة أيام فلم يأكل ولم يشرب حتى مال رأسه من الجوع والعطش وخشوا موته فأخرجوه فقال: قد كان الله أحله لي؛ لأني مضطر ولكن لم أكن لأشمتك بدين الإسلام؛ ولأن إباحة الأكل رخصة فلا تجب عليه كسائر الرخص؛ ولأن له غرضا في اجتناب النجاسة والأخذ بالعزيمة وربما لم تطب نفسه بتناول الميتة وفارق الحلال في الأصل من هذه الوجوه.
وقد قدمنا أن أظهر القولين دليلا وجوب تناول ما يمسك الحياة؛ لأن الإنسان لا يجوز له إهلاك نفسه والعلم عند الله تعالى.
المسألة الرابعة: هل يقدم المضطر الميتة أو مال الغير؟
(٦٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 61 62 63 64 65 66 67 68 69 70 71 ... » »»