واعلم أن الأنواع الثلاثة واحد منها يشترط له الحرم إجماعا وهو الهدي كما تقدم وواحد لا يشترط له الحرم إجماعا وهو الصوم وواحد اختلف فيه وهو الإطعام. فذهب بعض العلماء: إلى أنه لا يطعم إلا في الحرم وذهب بعضهم إلى أنه يطعم في موضع إصابة الصيد وذهب بعضهم إلى أنه يطعم حيث شاء. وأظهرها أنه حق لمساكين الحرم. لأنه بدل عن الهدي أو نظير له وهو حق لهم إجماعا كما صرح به تعالى بقوله: * (هديا بالغ الكعبة) * وأما الصوم فهو عبادة تختص بالصائم لا حق فيها لمخلوق فله فعلها في أي موضع شاء.
وأما إن كان الصيد لا مثل له من النعم كالعصافير. فإنه يقوم ثم يعرف قدر قيمته من الطعام فيخرجه لكل مسكين مد أو يصوم عن كل مد يوما.
فتحصل أن ماله مثل من النعم يخير فيه بين ثلاثة أشياء: هي الهدي بمثله والإطعام والصيام. وأن ما لا مثل له يخير فيه بين شيئين فقط: وهما الإطعام والصيام على ما ذكرنا.
واعلم أن المثل من النعم له ثلاث حالات:
الأولى: أن يكون تقدم فيه حكم من النبي صلى الله عليه وسلم.
الثانية: أن يكون تقدم فيه حكم من عدلين من الصحابة أو التابعين مثلا.
الثالثة: ألا يكون تقدم فيه حكم منه صلى الله عليه وسلم ولا منهم رضي الله عنهم. فالذي حكم صلى الله عليه وسلم فيه لا يجوز لأحد الحكم فيه بغير ذلك وذلك كالضبع فإنه صلى الله عليه وسلم قضى فيها بكبش قال ابن حجر في التلخيص ما نصه: حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى في الضبع بكبش أخرجه أصحاب السنن وابن حبان وأحمد والحاكم في (المستدرك) من طريق عبد الرحمن بن أبي عمار عن جابر بلفظ سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الضبع فقال: هو صيد ويجعل فيه كبش إذا أصابه المحرم ولفظ الحاكم جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في الضبع يصيبه المحرم كبشا وجعله من الصيد وهو عند ابن ماجة إلا أنه لم يقل نجديا قال الترمذي: سألت عنه البخاري فصححه وكذا صححه عبد الحق وقد أعل بالوقف. وقال البيهقي: هو حديث جيد تقوم به الحجة ورواه البيهقي من طريق الأجلح عن أبي الزبير عن جابر عن عمر قال: لا أراه إلا قد رفعه أنه حكم في الضبع بكبش. الحديث ورواه الشافعي عن مالك عن أبي الزبير به موقوفا وصحح وقفه من