أضواء البيان - الشنقيطي - ج ١ - الصفحة ١٥٧
في زيادة الأحوال والخصوص والكرامات والألطاف والمعجزات المتباينات.
وأما النبوة في نفسها فلا تتفاضل وإنما تتفاضل بأمور أخر زائدة عليها ولذلك منهم رسل وأولو عزم ومنهم من اتخذ خليلا ومنهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات. قال الله تعالى: * (ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض وآتينا داود زبورا) * قلت: وهذا قول حسن فإنه جمع بين الآي والأحاديث من غير نسخ والقول بتفضيل بعضهم على بعض إنما هو بما منح من الفضائل وأعطى من الوسائل وقد أشار ابن عباس إلى هذا فقال: إن الله فضل محمدا صلى الله عليه وسلم على الأنبياء وعلى أهل السماء فقالوا: بم يا ابن عباس فضله على أهل السماء؟ فقال: إن الله تعالى قال: * (ومن يقل منهم إني إلاه من دونه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزى الظالمين) * وقال لمحمد صلى الله عليه وسلم: * (إنا فتحنا لك فتحا مبينا * ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر) * قالوا: فما فضله على الأنبياء؟ قال: قال الله تعالى: * (وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم) * وقال الله عز وجل لمحمد صلى الله عليه وسلم: * (وما أرسلناك إلا كافة للناس) * فأرسله إلى الجن والإنس ذكره أبو محمد الدارمي في مسنده وقال أبو هريرة: خير بني آدم نوح وإبراهيم وموسى ومحمد صلى الله عليه وسلم وهم أولو العزم من الرسل وهذا نص من ابن عباس وأبي هريرة في التعيين ومعلوم أن من أرسل أفضل ممن لم يرسل؛ فإن من أرسل فضل على غيره بالرسالة واستووا في النبوة إلى ما يلقاه الرسل من تكذيب أممهم وقتلهم إياهم وهذا مما لا خفاء به. اه محل الغرض منه بلفظه.
واختار ابن عطية كما نقله عنه القرطبي أن وجه الجمع جواز التفضيل إجمالا كقوله صلى الله عليه وسلم: أنا سيد ولد آدم ولا فخر ولم يعين ومنع التفضيل على طريق الخصوص كقوله: لا تفضلوني على موسى وقوله: لا ينبغي لأحد أن يقول أنا خير من يونس بن متى ونحو ذلك والعلم عند الله تعالى قوله تعالى.
الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا منا ولا أذى لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون يفهم من هذه الآية أن من أتبع إنفاقه المن والأذى لم يحصل له هذا الثواب المذكور هنا في قوله: * (لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون) *. وقد صرح تعالى بهذا المفهوم في
(١٥٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 152 153 154 155 156 157 158 159 160 161 162 ... » »»