تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٩٢٤
له، فرد الله عليه هذا الحسبان، فقال: * (كلا) *، أي: ليس كل من نعمته في الدنيا فهو كريم علي، ولا كل من قدرت عليه رزقه، فهو مهان لدي. وإنما الغنى والفقر، والسعة والضيق، ابتلاء من الله، وامتحان يمتحن به العباد، ليرى من يقوم بالشكر والصبر فيثيبه على ذلك الثواب الجزيل، ومن ليس كذلك فينقله إلى العذاب الوبيل. وأيضا، فإن وقوف همة العبد عند مراد نفسه فقط، من ضعف الهمة، ولهذا لامهم الله على عدم اهتمامهم بأحوال الخلق المحتاجين، فقال: * (كلا بل لا تكرمون اليتيم) * الذي فقد أباه وكاسبه، واحتاج إلى جبر خاطره والإحسان إليه. فأنتم لا تكرمونه بل تهينونه، وهذا يدل على عدم الرحمة في قلوبكم، وعدم الرغبة في الخير. * (ولا تحاضون على طعام المسكين) *، أي: لا يحض بعضكم بعضا، على إطعام المحاويج من الفقراء والمساكين، وذلك لأجل الشح على الدنيا، ومحبتها الشديدة المتمكنة من القلوب، ولهذا قال: * (وتأكلون التراث) *، أي: المال المخلف * (أكلا لما) *، أي: ذريعا، لا تبقون على شيء منه. * (وتحبون المال حبا جما) * أي: شديدا، وهذا كقوله: * (بل تؤثرون الحياة الدنيا والآخرة خير وأبقى) *، * (كلا بل تحبون العاجلة وتذرون الآخرة) *. * (فذكر إنما أنت مذكر * لست عليهم بمسيطر * إلا من تولى وكفر * فيعذبه الله العذاب الأكبر * إن إلينآ إيابهم * ثم إن علينا حسابهم * والفجر * وليال عشر * والشفع والوتر * والليل إذا يسر) * * (كلا) *، أي: ليس كل ما أحببتم من الأموال، وتنافستم فيه من اللذات، بباق لكم، بل أمامكم يوم عظيم، وهول جسيم، تدك فيه الأرض والجبال وما عليها حتى تجعل قاعا صفصفا، لا عوج فيه ولا أمت. ويجيء الله لفصل القضاء بين عباده، في ظلل من الغمام. وتجيء الملائكة الكرام، أهل السماوات كلهم، صفا صفا، أي: صفا بعد صف، كل سماء يجيء ملائكتها صفا، يحيطون بمن دونهم من الخلق، وهذه الصفوف صفوف خضوع وذل للملك الجبار. * (وجئ يومئذ بجهنم) * تقودها الملائكة بالسلاسل. فإذا وقعت هذه الأمور * (يومئذ يتذكر الإنسان) * ما قدمه من خير ومن شر. * (وأنى له الذكرى) *، فقد قامت أوانها، وذهب زمانها. * (يقول) * متحسرا على ما فرط في جنب الله: * (يا ليتني قدمت لحياتي) * الباقية الدائمة، عملا صالحا، كما قال تعالى: * (يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا يا ويلتي ليتني لم أتخذ فلانا خليلا) *. وفي هذا دليل على أن الحياة التي ينبغي السعي في كمالها وتحصيلها وكمالها، وفي تتميم لذاتها، هي الحياة في دار القرار، فإنها دار الخلد والبقاء. * (فيومئذ لا يعذب عذابه أحد) * لما أهمل ذلك اليوم، ونسي العمل له. * (ولا يوثق وثاقه أحد) *، فإنهم يوثقون بسلاسل من نار، ويسحبون على وجوههم في الحميم، ثم في النار يسجرون، فهذا جزاء المجرمين. وأما من آمن بالله، واطمأن به، وصدق رسله، فيقال له: * (يا أيتها النفس المطمئنة) * إلى ذكر الله، الساكنة إلى حبه، التي قرت عينها بالله. * (ارجعي إلى ربك) * الذي رباك بنعمته * (راضية مرضية) *، أي: راضية عن الله، وعن ما أكرمها به من الثواب، والله قد رضي عنها. * (فادخلي في عبادي وادخلي جنتي) * وهذا تخاطب به الروح يوم القيامة، وتخاطب به وقت السياق والموت. تم تفسير سورة الفجر والحمد لله رب العالمين. سورة البلد * (لا أقسم به ذا البلد * وأنت حل به ذا البلد * ووالد وما ولد * لقد خلقنا الإنسان في كبد * أيحسب أن لن يقدر عليه أحد * يقول أهلكت مالا لبدا * أيحسب أن لم يره أحد * ألم نجعل له عينين * ولسانا وشفتين * وهديناه النجدين * فلا اقتحم العقبة * ومآ أدراك ما العقبة * فك رقبة * أو إطعام في يوم ذي مسغبة * يتيما ذا مقربة * أو مسكينا ذا متربة * ثم كان من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة * أول ئك أصحاب الميمنة * والذين كفروا بآياتنا هم أصحاب المشأمة * عليهم نار مؤصدة) * يقسم تعالى * (بهذا البلد) *
(٩٢٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 919 920 921 922 923 924 925 926 927 928 929 ... » »»