تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٩٢١
استكمل ما قدر له من الشباب، ألوى نباته، وصوح عشبه. * (فجعله غثاء أحوى) *، أي: أسود، أي: جعله هشيما رميما، ويذكر فيها نعمه الدينية. ولهذا امتن بأصلها ومادتها، وهو القرآن فقال: * (سنقرئك فلا تنسى) *، أي: سنحفظ ما أوحيناه إليك من الكتاب، ونوعيه قلبك، فلا تنسى منه شيئا. وهذه بشارة من الله كبيرة، لعبده، ورسوله، محمد صلى الله عليه وسلم، أن الله سيعلمه علما لا ينساه. * (إلا ما شاء الله) * مما اقتضت حكمته أن ينسيكه لمصلحة، وحكمة بالغة. * (إنه يعلم الجهر وما يخفى) * ومن ذلك أنه يعلم ما يصلح عباده، أي: فلذلك يشرع ما أراد، ويحكم بما يريد. * (ونيسرك لليسرى) * وهذه أيضا بشارة أخرى، أن الله ييسر رسوله صلى الله عليه وسلم لليسرى في جميع أموره، ويجعل شرعه ودينه يسيرا. * (فذكر) * بشرع الله وآياته * (إن نفعت الذكرى) *، أي: ما دامت الذكرى مقبولة، والموعظة مسموعة، سواء حصل من الذكرى جميع المقصود، أو بعضه. ومفهوم الآية أنه إن لم تنفع الذكرى، بأن كان التذكير يزيد في الشر، أو ينقص من الخير، لم تكن مأمورا بها، بل هي منهي عنها. فالذكرى ينقسم الناس فيها قسمين: منتفعون، وغير منتفعين. فأما المنتفعون، فقد ذكرهم بقوله: * (سيذكر من يخشى) * الله، فإن خشية الله تعالى، والعلم بمجازاته على الأعمال، توجب للعبد الانكفاف عما يكرهه الله، والسعي في الخيرات. وأما غير المنتفعين، فذكرهم بقوله: * (ويتجنبها الأشقى الذي يصلى النار الكبرى) * وهي: النار الموقدة، التي تطلع على الأفئدة. * (ثم لا يموت فيها ولا يحيى) *، أي: يعذب عذابا أليما، من غير راحة ولا استراحة، حتى إنهم يتمنون الموت، فلا يحصل لهم، كما قال تعالى: * (لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها) *. * (قد أفلح من تزكى) *، أي: قد فاز وربح من طهر نفسه ونقاها من الشرك والظلم ومساوىء الأخلاق. * (وذكر اسم ربه فصلى) *، أي: اتصف بذكر الله، وانصبغ به قلبه، فأوجب له ذلك العمل بما يرضي الله، خصوصا الصلاة، التي هي ميزان الإيمان، هذا معنى الآية. وأما من فسر قوله: (تزكى) يعني أخرج زكاة الفطر، وذكر اسم ربه فصلى، أنه صلاة العيد، فإنه وإن كان داخلا في اللفظ، وبعض جزئياته، فليس هو المعنى وحده. * (بل تؤثرون الحياة الدنيا) *، أي: تقدمونها على الآخرة، وتختارون نعيمها المنغص المدكر الزائل، على الآخرة. * (والآخرة خير أبقى) *: خير من الدنيا في كل وصف مطلوب، وأبقى لكونها دار خلد وبقاء، والدنيا دار فناء. فالمؤمن العاقل، لا يختار الأردأ على الأجود، ولا يبيع لذة ساعة، بترحة الأبد. فحب الدنيا وإيثارها على الآخرة رأس كل خطيئة. * (إن هذا) * المذكور لكم في هذه السورة المباركة، من الأوامر الحسنة، والأخبار المستحسنة * (لفي الصحف الأولى صحف إبراهيم وموسى) * اللذين هما أشرف المرسلين، بعد محمد صلى الله وسلم عليه وعليهم أجمعين. فهذه أوامر في كل شريعة، لكونها عائدة إلى مصالح الدارين، وهي مصالح في كل زمان ومكان، والله الحمد. تم تفسير سورة الأعلى. سورة الغاشية * (هل أتاك حديث الغاشية وجوه يومئذ خاشعة عاملة ناصبة تصلى نارا حامية تسقى من عين آنية ليس لهم طعام إلا من ضريع لا يسمن ولا يغني من جوع وجوه يومئذ ناعمة لسعيها راضية في جنة عالية لا تسمع فيها لاغية فيها عين جارية فيها سرر مرفوعة وأكواب موضوعة ونمارق مصفوفة وزرابي مبثوثة) * يذكر تعالى أحوال يوم القيامة وما فهيا من الأهوال الطامة، وأنها تغشى الخلائق بشدائدها، فيجازون بأعمالهم، ويتميزون إلى فريقين: فريق في الجنة، وفريق في السعير.
(٩٢١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 916 917 918 919 920 921 922 923 924 925 926 ... » »»