وأما الرجال، فيتفاوت ما يلزمهم بحسب أحوالهم ومراتبهم، وما يتعين عليهم، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يمتثل ما أمره الله. فكان إذا جاءته النساء يبايعنه، والتزمن بهذه الشروط بايعهن، وجبر قلوبهن، واستغفر لهن الله، فيما يحصل منهن من التقصير، وأدخلهن في جملة المؤمنين. * (على أن لا يشركن بالله شيئا) * بل يفردن الله وحده بالعبادة. * (ولا يقتلن أولادهن) * كما يجري لنساء الجاهلية الجهلاء (من وأد البنات). * (ولا يزنين) * كما كان ذلك موجودا كثيرا، في البغايا وذوات الأخدان. * (ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن) *، والبهتان: الافتراء على الغير، أي: لا يفترين بكل حالة، سواء تعلقت بهن مع أزواجهن، أو تعلق ذلك بغيرهم. * (ولا يعصينك في معروف) *، أي: لا يعصينك في كل أمر تأمرهن به، لأن أمرك لا يكون إلا بمعروف، ومن ذلك طاعتهن لك، في النهي عن النياحة، وشق الجيوب، وخمش الوجوه، والدعاء بدعوى الجاهلية. * (فبايعهن) * إذا التزمن بجميع ما ذكر. * (واستغفر لهن الله) * عن تقصيرهن، وتطييبا لخواطرهن. * (إن الله غفور) *، أي: كثير المغفرة للعاصين، والإحسان إلى المذنبين التائبين. * (رحيم) * وسعت رحمته كل شيء، وعم إحسانه البرايا. * (يا أيها الذين آمنوا لا تتولوا قوما غضب الله عليهم قد يئسوا من الآخرة كما يئس الكفار من أصحاب القبور) * أي: يا أيها المؤمنون، إن كنتم مؤمنين بربكم، ومتبعين لرضاه ومجانبين لسخطه. * (لا تتولوا قوما غضب الله عليهم) * وإنما غضب عليهم لكفرهم، هذا شامل لجميع أصناف الكفار. * (قد يئسوا من الآخرة) *، أي: قد حرموا من خير الآخرة، فليس لهم منها نصيب، فاحذروا أن تولوهم، فتوافقوهم على شرهم وشركهم، فتحرموا خير الآخرة كما حرموا. وقوله: * (كما يئس الكفار من أصحاب القبور) * حين أفضوا إلى الدار الآخرة، وشاهدوا حقيقة الأمر، وعلموا علم اليقين، أنهم لا نصيب لهم منها. ويحتمل أن المعنى: قد يئسوا من الآخرة، أي: قد أنكروها، وكفروا بها. فلا يستغرب حينئذ منهم الإقدام على مساخط الله، وموجبات عذابه، وإياسهم من الآخرة، كما يئس الكفار المنكرون للبعث في الدنيا، من رجوع أصحاب القبور إلى الله تعالى. تم تفسير سورة الممتحنة والله أعلم سورة الصف * (سبح لله ما في السماوات وما في الأرض وهو العزيز الحكيم يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون) * وهذا بيان لعظمته تعالى وقهوه، وذل جميع الأشياء له، تبارك وتعالى، وأن جميع من في السماوات والأرض، يسبحون بحمد الله، ويعبدونه، ويسألونه حوائجهم. * (وهو العزيز) * الذي قهر الأشياء بعزته وسلطانه، * (الحكيم) * في خلقه وأمره. * (يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون) *، أي: لم تقولون الخير، وتحثون عليه، وربما تمدحتم به، وأنتم لا تفعلونه، وتنهون عن الشر، وربما نزهتم أنفسكم عنه، وأنتم متلوثون متصفون به. فهل تليق بالمؤمنين هذه الحالة الذميمة؟ أم من أكبر المقت عند الله أن يقول العبد ما لا يفعل؟ ولهذا ينبغي للآمر بالخير، أن يكون أول الناس مبادرة إليه، والناهي عن الشر، أن يكون أبعد الناس عنه، قال تعالى: * (أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون) *. وقال شعيب عليه السلام: * (وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه) *. * (إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص) * هذا حث من الله لعباده على الجهاد في سبيله صفا متراصا متساويا، من غير خلل يحصل في الصفوف، وتكون صفوفهم على نظام وترتيب، به تحصل المساواة بين المجاهدين والتعاضد وإرهاب العدو، وتنشيط بعضهم بعضا. ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا حضر القتال، صف أصحابه، ورتبهم في موافقهم، بحيث لا يحصل اتكال بعضهم على بعض، بل تكون كل طائفة منهم مهتمة بمركزها، وقائمة بوظيفتها، وبهذه الطريقة تتم الأعمال، ويحصل الكمال. * (وإذ قال موسى لقومه يقوم
(٨٥٨)