تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ١٠٥
جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن) * دليل على أن الولي ينظر على المرأة ويمنعها مما لا يجوز فعله ويجبرها على ما يجب وأنه مخاطب بذلك واجب عليه (235) * (ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء أو أكننتم في أنفسكم علم الله أنكم ستذكرونهن ولكن لا تواعدوهن سرا إلا أن تقولوا قولا معروفا ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه واعلموا أن الله غفور حليم) * هذا حكم المعتدة من وفاة أو المبانة في الحياة فيحرم على غير مبينها أن يصرح لها في الخطبة وهو المراد بقوله: * (ولكن لا تواعدوهن سرا) * وأما التعريض فقد أسقط تعالى فيه الجناح والفرق بينهما أن التصريح لا يحتمل غير النكاح فلهذا حرم خوفا من استعجالها وكذبها في انقضاء عدتها رغبة في النكاح ففيه دلالة على منع وسائل المحرم وقضاء لحق زوجها الأول بعدم مواعدتها لغيره مدة عدتها وأما التعريض وهو الذي يحتمل النكاح وغيره فهو جائز للبائن كأن يقول لها: إني أريد التزوج وإني أحب أن تشاوريني عند انقضاء عدتك ونحو ذلك فهذا جائز لأنه ليس بمنزلة الصريح وفي النفوس داع قوي إليه وكذلك إضمار الإنسان في نفسه أن يتزوج من هي في عدتها إذا انقضت ولهذا قال: * (أو أكننتم في أنفسكم علم الله أنكم ستذكرونهن) * هذا التفصيل كله في مقدمات العقد وأما عقد النكاح فلا يحل * (حتى يبلغ الكتاب أجله) * أي: تنقضي العدة * (واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم) * أي: فانووا الخير ولا تنووا الشر خوفا من عقابه ورجاء لثوابه * (واعلموا أن الله غفور) * لمن صدرت منه الذنوب فتاب منها ورجع إلى ربه * (حليم) * حيث لم يعاجل العاصين على معاصيهم مع قدرته عليهم (236) * (لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن على الموسع قدرة وعلى المقتر قدره متاعا بالمعروف حقا على المحسنين) * أي: ليس عليكم يا معشر الأزواج جناح وإثم بتطليق النساء قبل المسيس وفرض المهر وإن كان في ذلك كسر لها فإنه ينجبر بالمتعة فعليكم أن تمتعوهن بأن تعطوهن شيئا من المال جبرا لخواطرهن * (على الموسع قدره وعلى المقتر) * أي: المعسر * (قدره) * وهذا يرجع إلى العرف وأنه يختلف باختلاف الأحوال ولهذا قال: * (متاعا بالمعروف) * فهذا حق واجب * (على المحسنين) * ليس لهم أن يبخسوهن فكما تسببوا لتشوفهن واشتياقهن وتعلق قلوبهن ثم لم يعطوهن ما رغبن فيه فعليهم في مقابلة ذلك المتعة فلله ما أحسن هذا الحكم الإلهي وأدله على حكمة شارعه ورحمته!! ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون؟!! فهذا حكم المطلقات قبل المسيس وقبل فرض المهر ثم ذكر حكم المفروض لهن فقال: (237) * (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح وأن تعفوا أقرب للتقوى ولا تنسوا الفضل بينكم إن الله بما تعملون بصير) * أي: إذا طلقتم النساء قبل المسيس وبعد فرض المهر فللمطلقات من المهر المفروض نصفه ولكم نصفه هذا هو الواجب ما لم يدخله عفو ومسامحة بأن تعفو عن نصفها لزوجها إذا كان يصح عفوها * (أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح) * وهو الزوج على الصحيح لأنه الذي بيده حل عقدته؛ ولأن الولي لا يصح أن يعفو عن ما وجب للمرأة لكونه غير مالك ولا وكيل ثم رغب في العفو وأن من عفا كان أقرب لتقواه لكونه إحسانا موجبا لشرح الصدر ولكون الإنسان لا ينبغي أن يهمل نفسه من الإحسان والمعروف وينسى الفضل الذي هو أعلى درجات المعاملة لأن معاملة الناس فيما بينهم على درجتين: إما عدل وإنصاف واجب وهو أخذ الواجب وإعطاء الواجب وإما فضل وإحسان وهو إعطاء ما ليس بواجب والتسامح في الحقوق والغض مما في النفس فلا ينبغي للإنسان أن ينسى هذه الدرجة ولو في بعض الأوقات وخصوصا لمن بينك وبينه معاملة أو مخالطة فإن الله مجاز المحسنين بالفضل
(١٠٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 100 101 102 103 104 105 106 107 108 109 110 ... » »»