والنيات ومنه سماعه لأقوال الحالفين وعلمه بمقاصدهم هل هي خير أم شر وفي ضمن ذلك التحذير من مجازاته وأن أعمالكم ونياتكم قد استقر علمها عنده (225) ثم قال تعالى: * (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم والله غفور حليم) * أي: لا يؤاخذكم بما يجري على ألسنتكم من الأيمان اللاغية التي يتكلم بها العبد من غير قصد منه ولا كسب قلب ولكنها جرت على لسانه كقول الرجل في عرض كلامه: لا والله وبلى والله وكحلفه على أمر ماض يظن صدق نفسه وإنما المؤاخذة على ما قصده القلب وفي هذا دليل على اعتبار المقاصد في الأقوال كما هي معتبرة في الأفعال * (والله غفور) * لمن تاب إليه * (حليم) * بمن عصاه حيث لم يعاجله بالعقوبة بل حلم عنه وستر وصفح مع قدرته عليه وكونه بين يديه (226 - 227) * (للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر فإن فاؤوا فإن الله غفور رحيم وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم) * وهذا من الأيمان الخاصة بالزوجة في أمر خاص وهو حلف الزوج على ترك وطء زوجته مطلقا أو مقيدا بأقل من أربعة أشهر أو أكثر فمن آلى من زوجته خاصة فإن كان لدون أربعة أشهر فهذا مثل سائر الأيمان إن حنث كفر وإن أتم يمينه فلا شيء عليه وليس لزوجته عليه سبيل لأنه ملكه أربعة أشهر وإن كان أبدا أو مدة تزيد على أربعة أشهر ضربت له مدة أربعة أشهر من يمينه إذا طلبت زوجته ذلك لأنه حق لها فإذا تمت أمر بالفيئة وهو الوطء فإن وطئ فلا شيء عليه إلا كفارة اليمين وإن امتنع أجبر على الطلاق فإن امتنع طلق عليه الحاكم ولكن الفيئة والرجوع إلى زوجته أحب إلى الله تعالى ولهذا قال: * (فإن فاؤوا) * أي: رجعوا إلى ما حلفوا على تركه وهو الوطء * (فإن الله غفور) * يغفر لهم ما حصل منهم من الحلف بسبب رجوعهم * (رحيم) حيث جعل لأيمانهم كفارة وتحلة ولم يجعلها لازمة لهم غير قابلة للانفكاك ورحيم بهم أيضا حيث فاؤوا إلى زوجاتهم وحنوا عليهن ورحموهن * (وإن عزموا الطلاق) * أي: امتنعوا من الفيئة فكان ذلك دليلا على رغبتهم عنهن وعدم إرادتهم لأزواجهم وهذا لا يكون إلا عزما على الطلاق فإن حصل هذا الحق الواجب منه مباشرة وإلا أجبره الحاكم عليه أو قام به * (فإن الله سميع عليم) * فيه وعيد وتهديد لمن يحلف هذا الحلف ويقصد بذلك المضارة والمشاقة ويستدل بهذه الآية على أن الإيلاء خاص بالزوجة لقوله: * (من نسائهم) * وعلى وجوب الوطء في كل أربعة أشهر مرة لأنه بعد الأربعة يجبر إما على الوطء أو على الطلاق ولا يكون ذلك إلا لتركه واجبا (228) * (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن إن كن يؤمن بالله واليوم الأخر وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحا ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة والله عزيز حكيم) * أي: النساء اللاتي طلقهن أزواجهن * (يتربصن بأنفسهن) * أي: ينتظرن ويعتددن مدة * (ثلاثة قروء) * أي: حيض أو أطهار على اختلاف العلماء في المراد بذلك مع أن الصحيح أن القرء الحيض ولهذه العدة عدة حكم منها: العلم ببراءة الرحم إذا تكررت عليها ثلاثة الأقراء علم أنه ليس في رحمها حمل فلا يفضي إلى اختلاط الأنساب ولهذا أوجب تعالى عليهن الإخبار عن * (ما خلق الله في أرحامهن) * وحرم عليهن كتمان ذلك من حمل أو حيض لأن كتمان ذلك يفضي إلى مفاسد كثيرة فكتمان الحمل موجب أن تلحقه بغير من هو له رغبة فيه واستعجالا لانقضاء العدة فإذا ألحقته بغير أبيه حصل من قطع الرحم والإرث واحتجاب محارمه وأقاربه عنه وربما تزوج ذوات محارمه وحصل في مقابلة ذلك إلحاقه بغير أبيه وثبوت توابع ذلك من الإرث منه وله ومن جعل أقارب الملحق به أقارب له وفي ذلك من الشر والفساد ما لا يعلمه إلا رب العباد ولو لم يكن في ذلك إلا إقامتها مع من نكاحها باطل في حقه وفيه الإصرار على الكبيرة العظيمة وهي الزنا لكفى بذلك شرا وأما كتمان الحيض بأن استعجلت وأخبرت به وهي كاذبة ففيه من انقطاع حق الزوج عنها وإباحتها لغيره وما يتفرع عن ذلك من الشر كما ذكرنا وإن كذبت وأخبرت بعدم وجود الحيض لتطول العدة فتأخذ منه نفقة غير واجبة عليه بل هي سحت عليها محرمة من جهتين: من كونها لا تستحقه ومن كونها نسبته إلى حكم الشرع وهي كاذبة وربما راجعها بعد انقضاء العدة فيكون ذلك سفاحا لكونها أجنبية عنه فلهذا قال تعالى: * (ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر) *
(١٠١)