لذو فضل) * أي: عظيم * (على الناس ولكن أكثرهم لا يشكرون) * فلا تزيدهم النعمة شكرا بل ربما استعانوا بنعم الله على معاصيه وقليل منهم الشكور الذي يعرف النعمة ويقر بها ويصرفها في طاعة المنعم ثم أمر تعالى بالقتال في سبيله وهو قتال الأعداء الكفار لإعلاء كلمة الله ونصر دينه فقال: * (وقاتلوا في سبيل الله واعلموا أن الله سميع عليم) * أي: فأحسنوا نياتكم واقصدوا بذلك وجه الله وأعلموا أنه لا يفيدكم القعود عن القتال شيئا ولو ظننتم أن في القعود حياتكم وبقاءكم فليس الأمر كذلك ولهذا ذكر القصة السابقة توطئة لهذا الأمر فكما لم ينفع الذين خرجوا من ديارهم حذر الموت خروجهم بل أتاهم ما حذروا من غير أن يحتسبوا فاعلموا أنكم كذلك ولما كان القتال في سبيل الله لا يتم إلا بالنفقة وبذل الأموال في ذلك أمر تعالى بالإنفاق في سبيله ورغب فيه وسماه قرضا فقال: * (من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا) * فينفق ما تيسر من أمواله في طرق الخيرات خصوصا في الجهاد والحسن هو الحلال المقصود به وجه الله تعالى * (فيضاعفه له أضعافا كثيرة) * الحسنة بعشرة أمثالها إلى سبع مئة ضعف إلى أضعاف كثيرة بحسب حالة المنفق ونيته ونفع نفقته والحاجة إليها ولما كان الإنسان ربما توهم أنه إذا أنفق افتقر دفع تعالى هذه الوهم بقوله * (والله يقبض ويبسط) * أي: يوسع الرزق على من يشاء ويقبضه عمن يشاء فالتصرف كله بيديه ومدار الأمور راجع إليه فالإمساك لا يبسط الرزق والإنفاق لا يقبضه ومع ذلك فالإنفاق غير ضائع على أهله بل لهم يوم يجدون ما قدموه كاملا موفرا مضاعفا فلهذا قال * (وإليه ترجعون) * فيجازيكم بأعمالكم ففي هذه الآيات دليل على أن الأسباب لا تنفع مع القضاء والقدر وخصوصا الأسباب التي تترك بها أوامر الله وفيها: الآية العظيمة بإحياء الموتى أعيانا في هذه الدار وفيها الأمر بالقتال والنفقة في سبيل الله وذكر الأسباب الداعية لذلك الحاثة عليه من تسميته قرضا ومضاعفته وأن الله يقبض ويبسط وإليه ترجعون (246 - 248) * (ألم تر إلى الملأ من بني إسرائيل من بعد موسى إذ قالوا لنبي لهم أبعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله قال هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألا تقاتلوا قالوا وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا فلما كتب عليهم القتال تولوا إلا قليلا منهم والله عليم بالظالمين * وقال لهم نبيهم إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا قالوا أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه ولم يؤت سعة من المال قال إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم والله يؤتى ملكه من يشاء والله واسع عليم * وقال لهم نبيهم إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينه من ربكم وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين) * يقص تعالى على نبيه قصة الملأ من بني إسرائيل وهم الأشراف والرؤساء وخص الملأ بالذكر لأنهم في العادة هم الذين يبحثون عن مصالحهم ليتفقوا فيتبعهم غيرهم على ما يرونه وذلك أنهم أتوا إلى نبي لهم بعد موسى عليه السلام فقالوا له * (ابعث لنا ملكا) * أي: عين لنا ملكا * (نقاتل في سبيل الله) * ليجتمع متفرقنا ويقاوم بنا عدونا ولعلهم في ذلك الوقت ليس لهم رئيس يجمعهم كما جرت عادة القبائل أصحاب البيوت كل بيت لا يرضى أن يكون من البيت الآخر رئيس فالتمسوا من نبيهم تعيين ملك يرضى الطرفين ويكون تعيينه خاصا لعوائدهم وكانت أنبياء بني إسرائيل تسوسهم كلما مات نبي خلفه نبي آخر فلما قالوا لنبيهم تلك المقالة * (قال) * (لهم نبيهم) * (هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألا تقاتلوا) * أي: لعلكم تطلبون شيئا وهو إذا كتب عليكم لا تقومون به فعرض عليهم العافية فلم يقبلوها واعتمدوا على عزمهم ونيتهم فقالوا: * (وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا) * أي: أي: شيء يمنعنا من القتال وقد ألجأنا إليه بأن أخرجنا من أوطاننا وسبيت ذرارينا فهذا موجب لكوننا نقاتل ولو لم يكتب علينا فكيف مع أنه فرض علينا وقد حصل ما حصل ولهذا لما لم تكن نياتهم حسنة ولم يقو توكلهم على ربهم * (فلما كتب عليهم القتال تولوا) * فجبنوا عن قتال الأعداء وضعفوا عن المصادمة وزال ما كانوا عزموا عليه واستولى على أكثرهم الخور والجبن * (إلا قليلا منهم) * فعصمهم الله وثبتهم وقوى قلوبهم فالتزموا أمر الله ووطنوا أنفسهم على مقارعة أعدائه فحازوا شرف الدنيا والآخرة وأما أكثرهم فظلموا أنفسهم وتركوا أمر الله فلهذا قال: * (والله عليم بالظالمين * وقل لهم نبيهم) * مجيبا لطلبتهم * (إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا) * فكان هذا تعيينا من الله الواجب عليهم فيه القبول والانقياد وترك الاعتراض ولكن أبوا إلا أن يعترضوا فقالوا: * (أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه ولم يؤت سعة من المال) * أي: كيف يكون ملكا وهو دوننا في الشرف والنسب ونحن أحق بالملك منه ومع هذا فهو
(١٠٧)