* (الملك القدوس العزيز الحكيم) * صفات للاسم الجليل، وقد تقدم معناها، وقرأ أبو وائل، ومسلمة بن محارب، ورؤبة، وأبو الدينار، والأعرابي برفعها على المدح، وحسن ذلك الفصل الذي فيه نوع طول بين الصفة والموصوف، وجاء كذلك عن يعقوب، وقرأ أبو الدينار، وزيد بن علي * (القدوس) * بفتح القاف.
* (هو الذى بعث فى الأميين رسولا منهم يتلو عليهم ءاياته ويزكيهم ويعلمهم الكتابوالحكمة وإن كانوا من قبل لفى ضلل مبين) *.
* (هو الذي بعث في الأميين) * يعني سبحانه العرب لأن أكثرهم لا يكتبون ولا يقرأون.
وقد أخرج البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب " وأريد بذلك أنهم على أصل ولادة أمهم لم يتعلموا الكتابة والحساب فهم على جبلتهم الأولى، فالأمي نسبة إلى الأم التي ولدته، وقيل: نسبة إلى أمة العرب، وقيل: إلى أم القرى، والأولى أشهر، واقتصر بعضهم في تفسيره على أنه الذي لا يكتب، والكتابة على ما قيل: بدئت بالطائف أخذوها من أهل الحيرة وهم من أهل الأنبار، وقرىء الأمين بحذف ياء النسب * (رسولا منهم) * أي كائنا من جملتهم، فمن تبعيضية، والبعضية: إما باعتبار الجنس فلا تدل على أنه عليه الصلاة والسلام أمي، أو باعتبار الخاصة المشتركة في الأكثر فتدل، واختار هذا جمع، فالمعنى رسولا من جملتهم أميا مثلهم * (يتلو عليهم آياته) * مع كونه أميا مثلهم لم يعهد منه قراءة ولا تعلم * (ويزكيهم) * عطف على * (يتلو) * فهو صفة أيضا - لرسولا - أي يحملهم على ما يصيرون به أزكياء طاهرين من خبائث العقائد والأعمال.
* (ويعلمهم الكتابوالحكمة) * صفة أيضا - لرسولا - مترتبة في الوجود على التلاوة. وإنما وسط بينهم التزكية التي هي عبارة عن تكميل النفس بحسب قوتها العملية وتهذيبها المتفرع على تكميلها بحسب القوة النظرية الحاصل بالتعليم المترتب على التلاوة للإيذان بأن كلا من الأمور المترتبة نعمة جليلة على حيالها مستوجبة للشكر، ولو روعي ترتيب الوجود لربما يتبادل إلى الفهم كون الكل نعمة واحدة كما في سورة البقرة، وهو السر في التعبير عن القرآن تارة بالآيات؛ وأخرى بالكتاب والحكمة رمزا إلى أنه باعتبار كل عنوان نعمة على حدة. ولا يقدح فيه شمول الحكمة لما في تضاعيف الأحاديث النبوية من الأحكام والشرائع قاله بعض الأجلة، وجوز كون * (الكتاب والحكمة) * كناية عن جميع النقليات والعقليات كالسماوات والأرض بجميع الموجودات. والأنصار والمهاجرين بجميع الصحابة رضي الله تعالى عنهم. وفيه من الدلالة على مزيد علمه صلى الله عليه وسلم ما فيه؛ ولو لم يكن له عليه الصلاة والسلام سوى ذلك معجزة لكفاه كما أشار إليه البوصيري بقوله: كفاك بالعلم في الأمي معجزة * في الجاهلية والتأديب في اليتم * (وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين) * من الشرك وخبث الجاهلية، وهو بيان لشدة افتقارهم إلى من يرشدهم وإن كان نسبة الضلال إليهم باعتبار الأكثر إذ منهم مهتد كورقة وأضرابه، وفي الكلام إزاحة لما عسى أن يتوهم من تعلمه عليه الصلاة والسلام من الغير * (وإن) * هي المخففة واللام هي الفارقة.
* (وءاخرين منهم لما يلحقوا بهم وهو العزيز الحكيم) *.
* (وآخرين) * جمع آخر بمعنى الغير، وهو عطف على * (الأميين) * أي وفي آخرين * (منهم) * أي من الأميين، و - من - للتبيين * (لما يلحقوا بهم وهو العزيز الحكيم) * أي لم يلحقوا بهم بعد وسيلحقون، وهو الذين جاءوا بعد