بما ذكر لما فيه من التعظيم، وقد كانوا يفتخرون بنسبتهم إلى إسرائيل عليه السلام.
* (إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة) * أي مرسل منه تعالى إليكم حال كوني مصدقا، فنصب * (مصدقا) * على الحال من الضمير المستتر في * (رسول) * وهو العامل فيه، و * (إليكم) * متعلق به، وهو ظرف لغو لا ضمير فيه ليكون صاحب حال، وذكر هذا الحال لأنه من أقوى الدواعي إلى تصديقهم إياه عليه السلام، وقوله تعالى: * (ومبشرا برسول يأتي من بعدي) * معطوف على * (مصدقا) *، وهو داع أيضا إلى تصديقه عليه السلام من حيث أن البشارة بهذا الرسول صلى الله عليه وسلم واقعة في التوراة كقوله تعالى في الفصل العشرين من السفر الخامس: منها أقبل الله من سينا وتجلى من ساعير وظهر من جبال فاران معه الربوات الأطهار عن يمينه، وقوله سبحانه في الفصل الحادي عشر من هذا السفر: يا موسى إني سأقيم لبني إسرائيل نبيا من إخوتهم مثلك أجعل كلامي في فيه، ويقول لهم ما آمره فيه، والذي لا يقبل قول ذلك النبي الذي يتكلم باسمى أنا أنتقم منه ومن سبطه إلى غير ذلك، ويتضمن كلامه عليه السلام أن دينه التصديق بكتب الله تعالى وأنبيائه عليهم السلام جيمعا من تقدم ومن تأخر، وجملة * (يأتي) * الخ في موضع الصفة - لرسول - وكذا جملة قوله تعالى: * (اسمه أحمد) * وهذا الاسم الجليل علم لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وعليه قول حسان: صلى الإله ومن يحف بعرشه * والطيبون على المبارك أحمد وصح من رواية مالك. والبخاري. ومسلم. والدارمي، والترمذي. والنسائي عن جبير بن مطعم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن لي أسماء أنا محمد. وأنا أحمد. وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي. وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر. وأنا العاقب " والعاقب الذي ليس بعده نبى وهو منقول من المضارع للمتكلم. أو من أفعل التفضيل من الحامدية، وجوز أن يكون من المحمودية بناءا على أنه قد سمع أحمد اسم تفضيل منها نحو العود أحمد، وإلا فأفعل من المبني للمفعول ليس بقياسي، وقرىء * (من بعدي) * بفتح الياء، هذا وبشارته عليه السلام بنبينا صلى الله عليه وسلم مما نطق به القرآن المعجز، فإنكار النصارى ذلك ضرب من الهذيان، وقولهم: لو وقعت لذكرت في الانجيل الملازمة فيه ممنوعة، وإذا سلمت قلنا: بوقوعها في الإنجيل إلا أن جامعيه بعد رفع عيسى عليه السلام أهملوها اكتفاءا بما في التوراة. ومزامير داود عليه السلام. وكتب شعياء. وحبقوق. وأرمياء. وغيرهم من الأنبياء عليهم السلام. ويجوز أن يكونوا قد ذكروها إلا أن علماء النصارى بعد - حبا لدينهم أو لأمر ما غير ذلك - أسقطوها كذا قيل، وأنا أقول: الأناجيل التي عند النصارى أربعة: إنجيل متى من الاثنى عشر الحواريين جمعه باللغة السريانية بأرض فلسطين بعد رفع عيسى عليه السلام بثماني سنين وعدة إصحاحاته ثمانية وستون إصحاحا، وإنجيل مرقص وهو من السبعين جمعه باللغة الفرنجية بمدينة رومية بعد الرفع باثنتي عشرة سنة وعدة إصحاحاته ثمانية وأربعون إصحاحا، وإنجيل لوقا وهو من السبعين أيضا جمعه بالاسكندرية باللغة اليونانية وعدة إصحاحاته ثلاثة وثمانون إصحاحا، وإنجيل يوحنا وهو حبيب المسيح جمعه بمدينة إفسس من بلاد رومية بعد الرفع بثلاثين سنة وعدة إصحاحاته في النسخ القبطية ثلاثة وثلاثون إصحاحا وهي مختلفة، وفيها ما يشهد الانصاف بأنه ليس كلام الله عز وجل ولا كلام عيسى عليه السلام كقصة صلبه الذي يزعمونه ودفنه ورفعه من قبره إلى السماء فما هي