* (يقاتلون) * بفتح التاء، وقرىء - يقتلون - وقوله تعالى:
* (وإذ قال موسى لقومه ياقوم لم تؤذوننى وقد تعلمون أنى رسول الله إليكم فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم والله لا يهدى القوم الفاسقين) *.
* (وإذ قال موسى لقومه يا قوم لم تؤذونني) * كلام مستأنف مقرر لما قبله من شناعة ترك القتال * (وإذ) * منصوب على المفعولية بمضمر خوطب به سيد المخاطبين صلى الله عليه وسلم بطريق التلوين أي اذكر لهؤلاء المعرضين عن القتال وقت قول موسى عليه السلام لبني إسرائيل حين ندبهم إلى قتال الجبابرة بقوله: * (يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين) * فلم يمتثلوا لأمره عليه السلام وعصوه أشد عصيان حيث قالوا: * (يا موسى إن فيها قوما جبارين وإن لن ندخلها حتى يخرجوا منها فإن يخرجوا منها فإنا داخلون) * (المائدة: 21) إلى قوله تعالى: * (فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون) * (المائدة: 22) إلى قوله تعالى: * (فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون) * (المائدة: 24) وأصروا على ذلك كل الاصرار وآذوه عليه السلام كل الأذية فوبخهم على ذلك بوقله: * (يا قوم لم تؤذونني) * (الصف: 5) بالمخالفة والعصيان فيما أمرتكم به * (وقد تعلمون أني رسول الله إليكم) * جملة حالية مؤكدة لانكار الإيذاء ونفى سببه * (وقد) * لتحقيق العلم لا للتقليل ولا للتقريب لعدم مناسبة ذلك للمقام، وصيغة المضارغ للدلالة على الاستمرار أي والحال أنكم تعلمون علما قطعيا مستمرا بمشاهدة ما ظهر على يدي من المعجزات الباهرة التي معظمها إهلاك عدوكم وإنجائكم من ملكته أني رسول الله إليكم لأرشدكم إلى خيري الدنيا والآخرة، ومن قضية علمكم بذلك أن تبالغوا في تعظيمي وتسارعوا إلى طاعتي * (فلعما زاغوا) * أي أصروا على الزيغ والانحراف عن الحق الذي جاء به عليه السلام واستمروا عليه * (أزاغ الله قلوبهم) * أي صرفها عن قبول الحق والميل إلى الصواب لصرف اختيارهم نحو العمى والضلال، وقيل: أي فلما زاغوا في نفس الأمر وبمقتضى ما هم عليه فيها أزاغ الله تعالى في الخارج قلوبهم إذ الإيجاد على حسب الإرادة. والإرادة على حسب العلم. والعلم على حسب ما عليه الشيء في نفس الأمر، وعلى الوجهين لا إشكال في الترتيب، وقوله تعالى: * (والله لا يهدي القوم الفاسقين) * اعتراض تذييلي مقرر لمضمون ما قبله من الإزاغة ومؤذن بعلته أي لا يهدي القوم الخارجين عن الطاعة. ومنهاج الحق المصرين على الغواية هداية موصلة إلى البغية، وإلا فالهداية إلى ما يوصل إليها شاملة للكل، والمراد بهم إما المذكورون خاصة والإظهار في مقام الاضمار لذمهم بالفسق وتعليل عدم الهداية به، أو جنس الفاسقين وهم داخلون في حكمهم دخولا أوليا، قيل: وأيا ما كان فهو ناظر إلى ما في قوله تعالى: * (فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين) * (المائدة: 25) وقوله سبحانه: * (فلا تأس على القوم الفاسقين) * (المائدة: 26) هذا وقيل: إذ ظرف متعلق بفعل مقدر يدل عليه ما بعده كزاغوا ونحوه، والجملة معطوفة على ما قبلها عطف القصة على القصة.
وذهب بعضهم إلى أن إيذاءهم إياه عليه السلام بما كان من انتقاصه وعيبه في نفسه وجحود آياته وعصيانه فيما تعود إليهم منافعه وعبادتهم البقر وطلبهم رؤية الله سبحانه جهرة والتكذيب الذي هو حق الله تعالى وحقه عليه السلام، وما ذكر أولا هو الذي تقتضيه جزالة النظم الكريم ويرتضيه الذوق السليم:
* (وإذ قال عيسى ابن مريم يابنى إسراءيل إنى رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدى من التوراة ومبشرا برسول يأتى من بعدى اسمه أحمد فلما جاءهم بالبينات قالوا هاذا سحر مبين) *.
* (وإذ قال عيسى ابن مريم) * إما معطوف على إذ الأولى معمول لعاملها، وإما معمول لمضمر معطوف على عاملها * (يابنيإسراءيل) * ولعله عليه السلام لم يقل * (يا قومي) * كما قال موسى عليه السلام بل قال: * (يا بني إسرائيل) * لأنه ليس له النسب المعتاد وهو ما كان من قبل الأب فيهم، أو إشارة إلى أنه عامل بالتوراة وأنه مثلهم في أنه من قوم موسى عليه السلام هضما لنفسه بأنه لا أتباع له ولا قوم، وفيه من الاستعطاف ما فيه، وقيل: إن الاستعطاف