فكشف لها عن بيتها في الجنة وهو على ما قيل: من درة، وفي رواية عبد بن حميد عنه أنه وتد لها أربعة أوتاد وأضجعها على ظهرها وجعل على صدرها رحى واستقبل بها عين الشمس فرفعت رأسها إلى السماء فقالت * (رب ابن لي) * إلى * (الظالمين) * ففرج الله تعالى عن بيتها في الجنة فرأته، وقيل: أمر بأن تلقى عليها صخرة عظيمة فدعت الله تعالى فرقى بروحها فألقيت الصخرة على جسد لا روح فيه، وعن الحسن فنجاها الله تعالى أكرم نجاة فرفعها إلى الجنة فهي تأكل وتشرب وتتنعم فيها، وظاهره أنها رفعت بجسدها وهو لا يصح.
وفي الآية دليل على أن الاستعاذة بالله تعالى والالتجاء إليه عز وجل ومسألة الخلاص منه تعالى عند المحن والنوازل من سير الصالحين وسنن الأنبياء، وهو في القرآن كثير، وقوله تعالى:
* (ومريم ابنة عمران التىأحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا وصدقت بكلمات ربها وكتبه وكانت من القانتين) *.
* (ومريم ابنت عمران) * عطف على * (امرأة فرعون) * أي وضرب مثلا للذين آمنوا حالتها وما أوتيت من كرامة الدنيا والآخرة والاصطفاء مع كون أكثر قومها كفارا، وجمع في التمثيل بين من لها زوج ومن لا زوج لها تسلية للأرامل وتطييبا لقلوبهن على ما قيل، وهو من بدع التفاسير كما في " الكشاف "، وقرأ السختياني - ابنه - بسكون الهاء وصلا أجراه مجرى الوقف * (التي أححصنت فرجها) * صانته ومنعته من الرجال؛ وقيل: منعته عن دنس المعصية.
والفرج ما بين الرجلين وكني به عن السوءة؛ وكثر حتى صار كالصريح، ومنه ما هنا عند الأكثرين * (فنفخنا فيه) * النافخ رسوله تعالى وهو جبريل عليه السلام فالإسناد مجازي، وقيل: الكلام على حذف مضاف أي فنفنخ رسولنا، وضمير * (فيه) * للفرج، واشتهر أن جبريل عليه السلام نفخ في جيبها فوصل أثر ذلك إلى الفرج.
وروي ذلك عن قتادة، وقال الفراء: ذكر المفسرون أن الفرج جيب درعها وهو محتمل لأن الفرج معناه في اللغة كل فرجة بين الشيئين، وموضع جيب درع المرأة مشقوق فهو فرج، وهذا أبلغ في الثناء عليها لأنها إذا منعت جيب درعها فهي للنفس أمنع، وفي " مجمع البيان " عن الفراء أن المراد منعت جيب درعها عن جبريل عليه السلام، وكان ذلك على ما قيل: قولها * (إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا) * (مريم: 18) وأفاد كلام البعض أن أحصنت فرجها على ما نقل أولا عن الفراء كناية عن العفة نحو قولهم: هو نقي الجيب طاهر الذيل.
وجوز في ضمير * (فيه) * رجوعه إلى الحمل، وهو عيسى عليه السلام المشعر به الكلام، وقرأ عبد الله - فيها - كما في الأنبياء، فالضمير لمريم، والإضافة في قوله تعالى: * (من روحنا) * للتشريف، والمراد من روح خلقناه بلا توسط أصل، وقيل: لأدنى ملابسة وليس بذاك * (وصدقت) * آمنت * (بكلمات ربها) * بصحفه عز وجل المنزلة على إدريس عليه السلام. وغيره، وسماها سبحانه كلمات لقصرها * (وكتبه) * بجميع كتبه والمراد بها ما عدا الصحف مما فيه طول، أو التوراة. والإنجيل. والزبور، وعد المصحف من ذلك وإيمانها به ولم يكن منزلا بعد كالإيمان بالنبي الموعود عليه الصلاة والسلام فقد كان صلى الله عليه وسلم من ذلك وإيمانها به ولم يكن منزلا بعد كالإيمان بالنبي الموعود عليه الصلاة والسلام فقد كان صلى الله عليه وسلم مذكورا بكتابه في الكتب الثلاث، وتفسير الكلمات والكتب بذلك هو ما اختاره جمع، وجوز غير واحد أن يراد بالكلمات ما أوحاه الله تعالى إلى أنبيائه عليهم السلام، وبالكتب ما عرف فيها مما يشمل الصحف وغيرها، وقيل: جميع ما كتب مما يشمل اللوح وغيره، وأن يراد بالكلمات وعده تعالى ووعيده أو ذلك وأمره عز وجل ونهيه سبحانه، وبالكتب أحد الأوجه السابقة، وإرادة كلامه تعالى القديم القائم بذاته سبحانه من الكلمات بعيد جدا، وقرأ يعقوب. وأبو مجلز. وقتادة. وعصمة عن عاصم * (صدقت) * بالتخفيف، ويرجع إلى معنى