إني إذا لم آكل في اليوم والليلة ثلاث مرات كل بصري وخشيت أن تعشو عيني " الخبر، وعدوا من أسباب عدم الاستطاعة الشبق وهو شدة الغلمة.
واستدل له بما أخرج الإمام أحمد. وأبو داود. وابن ماجه. والترمذي وحسنه. والحاكم وصححه. وغيرهم عن سلمة بن صخر قال: كنت رجلا قد أوتيت من جماع النساء ما لم يؤت غيري فلما دخل رمضان ظاهرت من امرأتي حتى ينسلخ رمضان فرقا من أن أصيب منها في ليلي فأتتابع في ذلك ولا أستطيع أن أنزع حتى يدركني الصبح فبينما هي تخدمني ذات ليلة إذ تكشف لي منها شيء فوثبت عليها - إلى أن قال - فخرجت فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته بخبري فقال: " أنت بذاك؟ قلت: أنا بذاك، فقال: أنت بذاك؟ قلت: أنا بذاك وها أنا ذا فامض في حكم الله تعالى فإني صابر لذلك قال: أعتق رقبة فضربت صفحة عنقي بيدي فقلت: لا والذي بعثك بالحق ما أصبحت أملك غيرها، قال: فصم شهرين متتابعين، فقلت: وهل أصابني ما أصابني إلا في الصيام، قال: فأطعم ستين مسكينا " الحديث فإنه أشار بقوله: " وهل أصابني " الخ إلى شدة شبقه الذي لا يستطيع معه صيام شهرين متتابعين، وإنما لم يكن عذرا في صوم رمضان قال ابن حجر: لأنه لا بدل له، وذكر أن غلبة الجوع ليست عذرا ابتداءا لفقده حينئذ فيلزمه الشروع في الصيام فإذا عجز عنه أفطر. وانتقل عنه للإطعام بخلاف الشبق لوجوده عند الشروع فيدخل صاحبه في عموم قوله تعالى: * (فمن لم يستطع) *.
* (فإطعام ستين مسكينا) * لكل مسكين نصف صاع من بر. أو صاع من تمر. أو شعير ودقيق كل كأصله، وكذا السويق، وذلك لأخبار ذكرها ابن الهمام في " فتح القدير "، والصاع أربعة أمداد.
وقال الشافعية: لكل مسكين مد لأنه صح في رواية، وصح في الأخرى صاع، وهي محمولة على بيان الجواز الصادق بالندب لتعذر النسخ فتعين الجمع بما ذكر مما يكون فطرة بأن يكون من غالب قوت محل المكفر في غالب السنة كالأقط - ولو للبلدي - فلا يجزىء نحو دقيق مما لا يجزى في الفطرة عندهم، ومذهب مالك كما قال أبو حيان مد وثلث بالمد النبوي، وروى عنه ابن وهب مدان.
وقيل: مد وثلثا مد، وقيل: ما يشبع من غير تحديد، ولا فرق بين التمليك والإباحة عندنا فإن غدى الستين وعشاهم أو غداهم مرتين أو عشاهم كذلك أو غداهم وسحرهم أو سحرهم مرتين وأشبعهم بخبز بر أو شعير أو نحوه كذرة بإدام أجزأه، وإن لم يبلغ ما شبعوا به المقدار المعتبر في التمليك، ويعتبر اتحاد الستين فلو غدى مثلا ستين مسكينا وعشى ستين غيرهم لم يجز إلا أن يعيد على إحدى الطائفتين غداء أو عشاء، ولو أطعم مائة وعشرين مسكينا في يوم واحد أكلة واحدة مشبعة لم يجز إلا عن نصف الإطعام فإن أعاده على ستين منهم أجزأه، واشترط الشافعية التمليك اعتبارا بالزكاة وصدقة الفطر، وهذا لأن التمليك أدفع للحاجة فلا ينوب منابه الإباحة، ونحن نقول: المنصوص عليه هنا هو الإطعام وهو حقيقة في التمكين من الطعم، وفي الإباحة ذلك كما في التمليك، وفي الزكاة الإيتاء، وفي صدقة الفطر الأداء، وهما للتمليك حقيقة - كذا في " الهداية " - قال العلامة ابن الهمام: لا يقال: اتفقوا على جواز التمليك فلو كان حقيقة الإطعام ما ذكر كان مشتركا معمما أو في حقيقته ومجازه لأنا نقول: جواز التمليك عندنا بدلالة النص، والدلالة لا تمنع العمل بالحقيقة كما في حرمة الشتم والضرب مع التأفيف